أحوال النّاس وما يبدو من إيمانهم ، وصلاحهم ؛ حتى يبحث عن باطنهم ؛ لأنّ الله تعالى بيّن أحوال النّاس ، وأنّ منهم من يظهر قولا جميلا ، وهو ينوي قبيحا.
فإن قيل : هذا يعارض قوله عليهالسلام : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله» (١). وقوله : «فأقضي له بنحو ما أسمع».
فالجواب : هذا كان في صدر الإسلام ، حيث كان إسلامهم سلامتهم ، وأمّا الآن ، وقد عمّ الفساد ، فلا ، قاله ابن العربيّ (٢).
والصّحيح : أنّ الظّاهر يعمل عليه ، حتّى يبين خلافه.
قوله تعالى : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى) «سعى» جواب إذا الشّرطيّة ، وهذه الجملة الشّرطية تحتمل وجهين.
أحدهما : أن تكون عطفا على ما قبلها ، وهو «يعجبك» ، فتكون : إمّا صلة ، أو صفة حسب ما تقدّم في «من».
والثاني : أن تكون مستأنفة لمجرّد الإخبار بحاله ، وقد تمّ الكلام عند قوله : «ألدّ الخصام».
والتّولّي والسّعي يحتملان الحقيقة ، أي : تولّى ببدنه عنك وسعى بقدميه ، والمجاز بأن يريد بالتولّي الرّحوع عن القول الأوّل ، وبالسّعي العمل والكسب من السّعاية ، وهو مجاز شائع ؛ ومنه: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] ، وقال امرؤ القيس : [الطويل]
١٠١١ ـ فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفاني ـ ولم أطلب ـ قليل من المال |
ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل |
|
وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي (٣) |
وقال آخر : [السريع]
١٠١٢ ـ أسعى على حيّ بني مالك |
|
كلّ امرىء في شأنه ساعي (٤) |
والسّعاية بالقول ما يقتضي التّفريق بين الأخلّاء ؛ قال القائل : [السريع]
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٢.
(٣) ينظر : ديوانه ص ٣٩ ، والإنصاف ١ / ٨٤ ، وتذكرة النحاة ص ٣٣٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ ، ٤٦٢ ، والدرر ٥ / ٣٢٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٩٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ، وشرح قطر الندى ص ١٩٩ ، والكتاب ١ / ٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٠ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٠١ ، ٣ / ٦٠٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٨٠ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٥٦ ، والمقتضب ٤ / ٧٦ ، والمقرب ١ / ١٦١. والدر المصون ١ / ٥٠٦.
(٤) البيت لأبي القيس بن الأسلت. ينظر : البحر ٢ / ١١٥ ، اللسان : سعى ، الدر المصون : ١ / ٥٠٦.