القوم ، فقتلوا مرثدا وخالدا وعبد الله بن طارق ، ونثر عاصم بن ثابت كنانته ، وفيها سبعة أسهم ، فقتل بكلّ سهم رجلا من عظماء المشركين ، ثمّ قال : اللهمّ ، إنّي قد حميت دينك صدر النهار فاحم لحمي آخر النهار ، ثمّ أحاط به المشركون فقتلوه ، فلمّا قتلوه أرادوا جزّ رأسه ؛ ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ في قحفه الخمر ، فأرسل الله رجلا من الدّبر ، وهي الزّنابير ، فحمت عاصما ، فلم يقدروا عليه ، فسمّي حميّ الدّبر ، فقالوا : دعوه حتى نمسي ، فتذهب عنه ، فنأخذه ، فجاءت سحابة سوداء ، وأمطرت مطرا كالغزال فبعث الله الوادي غديرا فاحتمل عاصما به فذهب به إلى الجنّة ، وحمل خمسين من المشركين إلى النار.
وكان عاصم قد أعطى الله عهدا ألّا يمسّه مشرك ولا يمسّ مشركا أبدا ، فمنعه الله ، وكان عمر بن الخطّاب يقول حين بلغه أنّ الدّبر منعته : عجبا لحفظ الله العبد المؤمن ، كان عاصم نذر ألّا يمسّه مشرك ، ولا يمسّ مشركا أبدا ، فمنعه الله بعد وفاته ، كما امتنع عاصم في حياته ، وأسر المشركون خبيب بن عديّ ، وزيد بن الدّثنّة ، فذهبوا بهما إلى مكة ، فأمّا خبيب فابتاعه بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ؛ ليقتلوه بأبيهم ، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث يوم بدر ، فلبث خبيب عندهم أسيرا ، حتّى أجمعوا على قتله ، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى ليستحدّ بها ، فأعارته ، فدرج بنيّ لها ، وهي غافلة ، فما راع المرأة إلّا خبيب قد أجلس الصّبيّ على فخذه ، والموسى بيده ، فصاحت المرأة ، فقال خبيب : أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك ، إنّ الغدر ليس من شأننا ، فقالت المرأة : والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب ؛ والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده ، وإنه لموثق بالحديد ، وما بمكة من ثمرة ، إن كان إلّا رزقا رزقه الله خبيبا ، ثم إنّهم خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ ، وأرادوا أن يصلبوه ، فقال لهم خبيب : دعوني أصلّي ركعتين ؛ فتركوه ، فكان خبيب هو الذي سنّ لكل مسلم قتل صبرا الصلاة ، فركع ركعتين ، ثمّ قال خبيب : لو لا أن يحسبوا أنّ ما بي من جزع لزدت ، اللهمّ أحصهم عددا ؛ واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا وأنشأ يقول : [الطويل]
١٠١٩ ـ ولست أبالي حين أقتل مسلما |
|
على أيّ شقّ كان في الله مصرعي |
وذلك في ذات الإله وإن يشأ |
|
يبارك على أوصال شلو ممزّع (١) |
فصلبوه حيّا ؛ فقال : اللهمّ إنّك تعلم أنّه ليس أحد حولى يبلّع سلامي رسولك فأبلغه سلامي ، ثم قام أبو سروعة عتبة بن الحارث فقتله ، ويقال : كان رجلا من المشركين يقال له سلامان أبو ميسرة ، معه رمح فوضعه بين ثديي خبيب ، فقال له خبيب :
__________________
(١) ينظر : البيتان في القرطبي ١١ / ٢٢ ، والثاني منهما في اللسان (مزع).