الأول : بمعنى «ما» كهذه الآية ، وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) [الأعراف : ٥٣].
الثاني : بمعنى «قد» كقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان : ١] أي : قد أتى ، وقوله : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) [ص : ٢١] و (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) [الغاشية : ١] ، أي : قد أتاك.
والثالث : بمعنى «ألا» قال تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) [طه : ٤٠] أي : ألا أدلكم ، ومثله (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) [الشعراء : ٢٢] أي : ألا أنبئكم.
الرابع : بمعنى الاستفهام ، قال تعالى : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ) [الروم : ٤٠].
و «ينظرون» هنا بمعنى ينتظرون ، وهو معدّى بنفسه ، قال امرؤ القيس : [الطويل]
١٠٢٨ ـ فإنّكما إن تنظراني ساعة |
|
من الدّهر ينفعني لدى أمّ جندب (١) |
وليس المراد هنا بالنظر تردد العين ؛ لأنّ المعنى ليس عليه ؛ واستدلّ بعضهم على ذلك بأن النظر بمعنى البصر يتعدّى ب «إلى» ، ويضاف إلى الوجه ، وفي الآية الكريمة متعدّ بنفسه ، وليس مضافا إلى الوجه ، ويعني بإضافته إلى الوجه قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] فيكون بمعنى الانتظار ، وهذا ليس بشيء ، أما قوله : إن الذي بمعنى البصر يتعدّى ب «إلى» فمسلم ، وقوله : «وهو هنا متعدّ بنفسه» ممنوع ، إذ يحتمل أن يكون حرف الجر وهو «إلى» محذوفا ؛ لأنه يطّرد حذفه مع «أن» و «أنّ» ، إذا لم يكن لبس ، وأمّا قوله : «يضاف إلى الوجه» ، فممنوع أيضا ، إذ قد جاء مضافا للذات ؛ قال تعالى : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) [الغاشية : ١٧]. والضمير في «ينظرون» عائد على المخاطبين بقوله : «زللتم» فهو التفات.
قوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ) هذا مفعول «ينظرون» وهو استثناء مفرّغ ، أي : ما ينظرون إلا إتيان الله.
والمعنى ما ينظرون ، يعني التاركون الدخّول في السّلم.
قوله تعالى : (فِي ظُلَلٍ) فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن يتعلّق بيأتيهم ، والمعنى : يأتيهم أمره أو قدرته أو عقابه أو نحو ذلك ، أو يكون كناية عن الانتقام ، إذ الإتيان يمتنع إسناده إلى الله تعالى حقيقة.
والثاني : أن يتعلّق بمحذوف على أنه حال ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : هو مفعول يأتيهم ، أي : في حال كونهم مستقرين في ظلل ، وهذا حقيقة.
__________________
(١) تقدم برقم ٧٢٣.