وفي صاحب الحال وجهان :
أحدهما : المفعول الأول ل «آتيناهم».
والثاني : المفعول الثاني وهو الكتاب ؛ لأن في «يعرفونه» ضميرين يعودان عليهما ، والضمير في «يعرفونه» فيه أقوال :
أحدها : أنه يعود على «الحق» الذي هو التحول ، وهو قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقتادة والربيع وابن زيد.
الثاني : على النبي صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم وبجل وعظّم ؛ أي : يعرفونه معرفة جليّة كما يعرفون أبناءهم لا تشتبه أبناؤهم وأبناء غيرهم (١).
روي عن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه سأل عبد الله بن سلام ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : أنا أعلم به مني بابني ، قال : ولم؟ قال : لأني لست أشك في محمد أنه نبي ، وأما ولدي فلعل والدته خانت. فقبّل عمر رأسه (٢).
وجاز الإضمار وإن لم يسبق له ذكر ؛ لأن الكلام يدل عليه ، ولا يلتبس على السامع ، ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بأنه لشهرته معلوم بغير إعلام.
قالوا : وهذا القول أولى من وجوه :
أحدها : أن الضمير إنما يرجع إلى مذكور سابق ، وأقرب المذكورات العلم في قوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ).
والمراد من ذلك العلم : النبوة ، فكأنه تعالى قال : إنهم يعرفون ذلك العلم كما يعرفون أبناءهم ، وأما أمر القبلة فما تقدم ذكره البتة.
وثانيها : أن الله ـ تعالى ـ ما أخبر في القرآن أن أمر تحويل القبلة مذكور في التوراة والإنجيل ، وأخبر فيه أن نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم مذكورة في التوراة والإنجيل ، فكان صرف هذه المعرفة إلى أمر النبوّة أولى.
وثالثها : أن المعجزات لا تدلّ أوّل دلالتها إلا على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظّم ، فكان صرف هذه المعرفة إلى أمر النبوّة أولى.
وعلى هذا القول أسئلة.
السؤال الأول : أنه لا تعلق لهذا الكلام بما قبله من أمر القبلة.
__________________
(١) الأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٧٠) عن قتادة ، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) أخرجه الثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس ؛ كما ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٧١).