والجواب : أنه تعالى في الآية المتقدمة لما حذر أمة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن اتّباع اليهود والنصارى بقوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٠] أخبر المؤمنين بحاله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في هذه الآية فقال : اعلموا يا معشر المؤمنين أن علماء أهل الكتاب يعرفون محمدا ، وما جاء به وصدقه ودعوته وقبلته لا يشكّون فيه كما لا يشكون في أبنائهم.
السؤال الثاني : هذه الآية نظيرها قوله تعالى : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧] وقال : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦] إلا أنّا نقول : من المستحيل أن يعرفوه كما يعرفون أبناءهم ، وذلك لأنه وصفه في التوراة والإنجيل : إما أن يكون قد أتى مشتملا على التفصيل التام ، وذلك إنما يكون بتعيين الزمان والمكان والصفة والخلقة والنّسب والقبيلة ، أو هذا الوصف ما أتى من هذا النوع من التفصيل ، فإن كان الأول وجب أن يكون بمقدمه في الوقت المعين ، من البلد المعين ، من القبيلة المعينة على الصفة المعينة معلوما لأهل المشرق والمغرب ؛ لأن التوراة والإنجيل كانا مشهورين فيما بين أهل المشرق والمغرب ، ولو كان الأمر كذلك لما تمكن أحد من النصارى واليهود من إنكار ذلك.
وأما القسم الثاني : فإنه لا يفيد القطع بصدق نبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنا نقول : هب أن التوراة اشتملت على أن رجلا من العرب سيكون نبيّا إلا أن ذلك الوصف لما لم يكن منتهيا في التفصيل إلى حدّ اليقين ، لم يلزم من الاعتراف به الاعتراف بنبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
والجواب : أن هذا الإشكال إنما يتوجّه لو قلنا بأن العلم بنبوته إنما حصل من اشتمال التوراة والإنجيل على وصفه ، ونحن لا نقول به ، بل نقول : إنه ادّعى النبوة ، وظهرت المعجزة على يده وكل من كان كذلك كان نبيا صادقا ، فهذا برهان ، والبرهان يفيد اليقين ، فلا جرم كان العلم بنبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أقوى وأظهر من العلم بنبوّة الأبناء ، وأبوة الآباء.
السؤال الثالث : فعلى هذا الوجه الذي قرّرتموه كان العلم بنبوة محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ علما برهانيا ، غير محتمل للغلط.
أما العلم بأن هذا ابني فذلك ليس علما يقينيا ، بل ظن ومحتمل للغلط ، فلم شبه اليقين بالظن؟
والجواب : ليس المراد أن العلم بنبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يشبه العلم بنبوّة الأبناء ، بل المراد به تشبيه العلم بأشخاص الأبناء وذواتهم ، فكما أن الأب يعرف شخص ابنه معرفة لا يشتبه هو عنده بغيره فكذا هاهنا ، وعند هذا يستقيم التشبيه ، لأن هذا العلم ضروري وذلك نظري ، وتشبيه النظري بالضروري يفيد المبالغة وحسن الاستعارة.
السؤال الرابع : لم خص الأبناء بالذكر دون البنات.