الجواب : لأن الذكور أعرف وأشهر ، وهم بصحبة الآباء ألزم ، وبقلوبهم ألصق.
والضمير في «يعرفونه» يعود على القرآن الكريم.
وقيل : على العلم.
وقيل : على البيت الحرام.
[ويعود الضمير إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم. وهو رأي الزمخشري ، واختاره الزّجاج وغيره ، وقال أبو حيان : هذا من باب الالتفات من الخطاب في قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ) إلى الغيبة](١).
قوله : (كَما يَعْرِفُونَ) «الكاف» في محل نصب إما على كونها نعتا لمصدر محذوف أي : معرفة كائنة مثل معرفتهم أبناءهم ، أو في موضع نصب على الحال من ضمير ذلك المصدر المعرفة المحذوف ، التقدير : يعرفونه معرفة مماثلة لعرفانهم ، وهذا مذهب سيبويه وتقدم تحقيق هذا. و «ما» مصدرية لأنه ينسبك منها ومما بعدها مصدر كما تقدم تحقيقه.
قوله تعالى : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٤٦].
اعلم أن الذين أوتوا الكتاب وعرفوا الرسول ، فمنهم من آمن به مثل عبد الله بن سلام وأتباعه ، ومنهم من بقي على كفره ، ومن آمن لا يوصف بكتمان الحق ، وإنما يوصف بذلك من بقي على كفره ، لا جرم قال الله تعالى : (وَإِنَّ فَرِيقاً [مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) فوصف البعض بذلك ، ودلّ بقوله](٢) : (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ) على سبيل الذّم ، على أنّ كتمان الحقّ في الدين محظور إذا أمكن إظهاره ، واختلفوا في المكتوم ، فقيل : أمر محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقيل : أمر القبلة كما تقدم.
قوله تعالى : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) جملة اسمية في محلّ نصب على الحال من فاعل «يكتمون» ، والأقرب فيها أن تكون حالا مؤكدة ؛ لأن لف ظ «يكتمون الحق» يدل على علمه ، إذ الكتم إخفاء ما يعلم وقيل : متعلق العلم هو ما على الكاتم من العقاب ، أي : وهم يعلمون العقاب المرتب على كاتم الحق ، فتكون إذ ذاك حالا مبينة ، وهذا ظاهر في أن كفرهم كان عنادا ، ومثله : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤].
قوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه مبتدأ وخبره الجار والمجرور بعده ، وفي الألف واللام حينئذ وجهان :
أحدهما : أن تكون للعهد ، والإشارة إلى الحق الذي عليه الرسول ـ عليهالسلام ـ أو إلى الحق الذي في قوله : «يكتمون الحقّ» أي : هذا الذي يكتمونه هو الحق من ربك ، وأن تكون للجنس على معنى الحق من الله لا من غيره.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : فبعض الوصف ودل قوله.