الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الحق من ربك ، والضمير يعود على الحق المكتوم أي : ما كتموه هو الحق.
الثالث : أنه مبتدأ والخبر محذوف تقديره : الحق من ربك يعرفونه ، والجار والمجرور على هذين القولين في محلّ نصب على الحال من «الحقّ» ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر في الوجه الثاني.
وقرأ علي (١) بن أبي طالب : «الحقّ من ربّك» نصبا ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوب على البدل من الحق المكتوم ، قاله الزمخشري (٢).
الثاني : أن يكون منصوبا بإضمار «الذم» ، ويدل عليه الخطاب بعده في قوله : (فَلا تَكُونَنَّ).
الثالث : أنه يكون منصوبا ب «يعلمون» قبله ، وذكر هذين الوجهين ابن عطية ، وعلى هذا الوجه الأخير يكون مما وقع فيه الظاهر موقع المضمر ، أي : وهم يعلمونه كائنا من ربك ، وذلك سائغ حسن في أماكن التفخيم والتهويل نحو : [الخفيف]
٨٣٧ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
..........(٣) |
والنهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن نفس الصفة ، فلذلك جاء التنزيل عليه : نحو (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَفَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) [الأنعام : ٣٥] دون : لا تمتر ولا تجهل ونحوه وتقرير ذلك أن قوله : «لا تكن ظالما» نهي عن الكون بهذه الصفة ، والنهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن تلك الصفة ؛ إذ النهي عن الكون على صفة يدلّ على عموم الأكوان المستقبلة عن تلك الصفة ، والمعنى لا تظلم في كل أكوانك ، أي : في كل فرد فرد من أكوانك فلا يمرّ بك وقت يوجد منك فيه ظلم ، فيصير كأن فيه نصا على سائر الأكوان ، بخلاف: لا تظلم ، فإنه يستلزم الأكوان ، وفرق بين ما يدلّ دلالة بالنص وبين ما يدل دلالة بالاستلزام و «الامتراء» : افتعال من المرية وهي الشك ، ومنه المراء. قال : [الطويل]
٨٣٨ ـ فإيّاك إيّاك المراء فإنّه |
|
إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب (٤) |
__________________
(١) انظر الشواذ ص ١٠ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٢٢٤ ، والبحر المحيط : ١ / ٦١٠ ، والدر المصون : ١ / ٤٠٤.
(٢) ينظر الكشاف : ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.
(٣) تقدم برقم (٥٢٠).
(٤) البيت للفضل بن عبد الرحمن ينظر إنباه الرواة : ٤ / ٧٦ ، وخزانة الأدب : ٣ / ٦٣ ، ومعجم الشعراء : ص ٣١٠ ، وله أو للعرزمي في حماسة البحتري : ص ٢٥٣ ، وينظر أمالي ابن الحاجب : ص ٦٨٦ ، وأوضح المسالك : ٣ / ٣٣٦ ، والخصائص : ٣ / ١٠٢ ، ورصف المباني : ص ١٣٧ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٤٠٩ ، وشرح التصريح : ٢ / ١٢٨ ، وشرح المفصل : ٢ / ٢٥ ، والكتاب : ١ / ٢٧٩ ، وكتاب اللامات : ص ٧٠ ، ولسان العرب : (أيا) ، ومغني اللبيب : ص ٦٧٩ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ١١٣ ، ٣٠٨ ، والمقتضب : ٣ / ٢١٣ ، والدر المصون : ١ / ٤٠٤.