(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) ؛ بسبب أنهم كتموا ما عرفوا.
وقيل : لما أوردوا تلك الشبهة معتقدين أنها حجّة سماها تعالى حجّة ، بناء على معتقدهم ، أو لعله ـ تعالى ـ سمّاها حجّة تهكّما بهم.
وقيل : أراد بالحجة المحاجّة ، فقال : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فإنهم يحاجونكم بالباطل](١).
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ) قرأ الجمهور «إلّا» بكسر «الهمزة» وتشديد «اللام».
وقرأ (٢) ابن عباس ، وزيد بن علي ، وابن زيد بفتحها ، وتخفيف «اللام» على أنها للاستفتاح.
فأما قراءة الجمهور فاختلف النحويون في تأويلها على أربعة أقوال :
أظهرها : وهو اختيار الطبري ، وبدأ به ابن عطية ، ولم يذكر الزمخشري غيره أنه استثناء متصل.
قال الزمخشري : معناه لئلا يكون حجّة لأحد من اليهود إلا للمعاندين منهم القائلين : ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا لدين قومه ، وحبّا لهم ، وأطلق على قولهم : «حجّة» ؛ لأنهم ساقوه مساق الحجة.
والحجّة كما أنها تكون صحيحة ، فقد تكون أيضا باطلة ، قال الله تعالى : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [الشورى : ١٦].
وقال تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) [آل عمران : ٦١] والمحاجّة هي أن يورد كل واحد من المحق والمبطل على صاحبه حجّة ، وهذا يقتضي أن الذي يورده المبطل يسمى بالحجّة ، ولأن الحجّة اشتقاقها من حجّة إذا علا عليه ، فكل كلام يقصد به غلبة الغير فهو حجّة.
وقال بعضهم : إنها مأخوذة من محجّة الطريق ، فكل كلام يتّخذه الإنسان مسلكا لنفسه في إثبات أو إبطال فهو حجّة.
وقال ابن عطية : المعنى أنه لا حجّة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة للذين ظلموا من اليهود وغيرهم الذين تكلموا في النازلة ، وسماها حجّة وحكم بفسادها حين كانت من ظالم.
الثاني : أنه استثناء منقطع ، فيقدر ب «لكن» عند البصريين ، وب «بل» عند الكوفيين ؛ لأنه استثناء من غير الأول ، والتقدير : لكن الذين ظلموا ، فإنهم يتعلقون عليكم
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) انظر المحرر الوجيز : ١ / ٢٢٥ ، والبحر المحيط : ١ / ٦١٥ ، والشواذ : ١٠ ، والدر المصون : ١ / ٤٠٧.
ونسبها صاحب البحر إلى ابن عامر.