أظهرهما : أنها للتشبيه.
والثاني : أنها للتعليل ، فعلى القول الأول تكون نعت مصدر محذوف.
واختلفوا في متعلقها حينئذ على خمسة أوجه :
أحدها : أنها متعلقة بقوله : «ولأتم» تقديره : ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل إتمام الرسول فيكم ، ومتعلّق الإتمامين مختلف ، فالأول بالثواب في الآخرة ، والثاني بإرسال الرسول في الدنيا ، أو الأول بإيجاب الدعوة الأولى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة : ١٣٨].
والثاني بإجابة الدعوى الثانية في قوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) [البقرة : ١٢٩] [قاله ابن جرير](١) ، ورجحه مكي ؛ لأن سياق اللفظ يدلّ على أن المعنى : ولأتم نعمتي عليكم ببيان ملة أبيكم إبراهيم ، كما أجبنا دعوته فيكم ، فأرسلنا إليكم رسولا منكم.
الثاني : أنها متعلّقة ب «تهتدون» ، تقديره : يهتدون اهتداء مثل إرسالنا فيكم رسولا ، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقيق والثبوت أي : اهتداء متحققا كتحقيق إرسالنا.
الثالث : وهو قول أبي مسلم : أنها متعلقة بقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] ، أي : جعلا مثل إرسالنا.
وهذا بعيد جدا ؛ لطول الفصل المؤذن بالانقطاع.
الرابع : أنها متعلقة بما بعدها وهو «اذكروني» [قال مجاهد وعطاء والكلبي : وروي عن علي رضي الله عنه ، واختاره الزّجاج : كما أرسلنا فيكم رسولا تعرفونه بالصدق ، فاذكروني بالتوحيد والتصديق به ، وعلى هذا فالوقف على «تهتدون» جائز](٢).
قال الزمخشري (٣) : كما ذكرتكم بإرسال الرسل ، فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب ، فيكون على تقدير مصدر محذوف ، وعلى تقدير مضاف أي : اذكروني ذكرا مثل ذكرنا لكم بالإرسال ، ثم صار : مثل ذكر إرسالنا ، ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهذا كما تقول : كما أتاك فلان فإنه يكرمك ، و «الفاء» غير مانعة من ذلك.
قال أبو البقاء : «كما» لم تمنع في باب الشرط يعني أن ما بعد فاء الجزاء يعمل فيما قبلها.
وقد ردّ مكي هذا بأن الأمر إذا كان له جواب لم يتعلق به ما قبله لاشتغاله بجوابه ، و «اذكروني» قد أجيب بقوله : «أذكركم» فلا يتعلق به ما قبله.
قال : ولا يجوز ذلك إلا في التشبيه بالشرط الذي يجاب بجوابين ، نحو : إذا أتاك فلان فأكرمه ترضه ، فيكون «كما» ، و «فأذكركم» جوابين للأمر ، والأول أفصح وأشهر ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر الكشاف : ١ / ٢٠٦.