وخامسها : أنه لو كان المراد من قوله : «إنهم أحياء» أنهم سيحيون ، فحينئذ لا يبقى لتخصيصهم بهذا فائدة.
قال القرطبي : والشهداء أحياء كما قال الله تعالى ، وليس معناه أنهم سيحيون ، إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرق إذ كل أحد سيحيا.
ويدل على هذا (١) قوله تبارك وتعالى : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) والمؤمنون يشعرون أنهم سيحيون.
وأجاب عنه أبو مسلم بأنه ـ تعالى ـ إنما خصهم بالذكر ؛ لأن درجتهم في الجنة أرفع ، ومنزلتهم أعلى وأشرف لقوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء : ٦٩] فأرادهم بالذكر تعظيما.
قال ابن الخطيب (٢) : هذا الجواب ضعيف ؛ لأن منزلة النبيين والصديقين أعظم مع أن الله ـ تعالى ـ ما خصهم بالذكر.
وفي هذا الجواب نظر ؛ لأن الآية الكريمة ليست في النبيين والصديقين ، إنما هي في الشهداء.
واحتج أبو مسلم بأنه ـ تعالى ـ ذكر هذه الآية في «آل عمران» فقال : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ١٦٩] وهذه العندية ليست بالمكان ، بل بالكون في الجنة ، ومعلوم أن أهل الثواب لا يدخلون الجنة إلا بعد (٣) القيامة.
وقال ابن الخطيب (٤) : لا نسلم أن هذه العندية ليست إلا بالكون في الجنة ، بل بإعلاء الدرجات ، وإيصال البشارات إليه ، وهو في القبر ، أو في موضع آخر.
وقال بعضهم : ثواب القبر وعذابه للروح لا للقالب ، والكلام في هذه المسألة مذكور في غير هذا المكان.
[قال الحسن : إن الشهداء هم أحياء عند الله ـ تعالى ـ تعرض أرزاقهم على أرواحهم ، فيصل إليهم الروح والفرج ، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشية ، فيصل إليهم الوجع](٥).
قوله تعالى : (أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) خبر مبتدأ محذوف أي : لا تقولوا : هم أموات ، وكذلك «أحياء» خبر مبتدأ محذوف أي : بل هم أحياء.
__________________
ـ وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (٤ / ٢٣٨) وانظر إتحاف السادة المتقين (٦ / ٣٠١) و (١٠ / ٣٨٠).
(١) في أ : على هذا.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ٤ / ١٣٣.
(٣) في ب : بعد.
(٤) ينظر الفخر الرازي : ٤ / ١٣٣.
(٥) سقط في ب.