وأمّا العقلاء والحصفاء فقلّما يحصل لهم خوض في اللعب واللهو وكذلك الالتذاذ بطيبات الدنيا لا يحصل إلّا للمغفّلين الجهّال بحقائق الأمور.
وأما المحققون فإنهم يعلمون أن كل هذه الخيرات غرور وليس لها في نفس الأمر حقيقية معتبرة.
قوله : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) قرأ الجمهور (١) بلامين ، الأولى لام الابتداء ، والثانية للتعريف ، وقرأوا (٢) «الآخرة» رفعا على أنها صفة ل «الدار» و «خير» خبرها.
وقرأ (٣) ابن عامر : «ولدار» بلام واحدة هي لام الابتداء ، و «الآخرة» جرّ بالإضافة ، وفي هذه القراءة تأويلان :
أحدهما : قول البصريين ، وهو [أنه](٤) من باب حذف الموصوف ، وإقامة الصفة مقامه ، والتقدير : ولدار السّاعة الآخرة ، أو لدار الحياة الآخرة ، يدلّ عليه (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ومثله قولهم : حبّة الحمقاء ، ومسجد الجامع ، وصلاة الأولى ، ومكان الغربى ، [التقدير : حبّة البقلة الحمقاء ، ومسجد المكان الجامع ، وصلاة السّاعة الأولى ، ومكان الجانب الغربيّ](٥).
وحسّن ذلك أيضا في الآية الكريمة كون هذه الصفة جرت مجرى الجوامد في إيلائها العوامل كثيرا ، وكذلك كلّ ما جاء مما توهّم فيه إضافة الموصوف إلى صفته ، وإنما احتاجوا إلى ذلك [كثيرا لئلا يلزم](٦) إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنع ؛ لأن الإضافة إمّا للتعريف ، أو للتخصيص ، والشيء [لا يعرّف نفسه](٧) ولا يخصّصها ، وهذا مبنيّ على أنّ الصّفة نفس الموصوف ، وهو مشكل ، لأنه لا يعقل تصور الموصوف منفكّا عن الصّفة ، ولو كانت الصفة عين الموصوف لكان [ذلك](٨) محالا.
والثاني ـ وهو قول الكوفيين ـ أنه إذا اختلف لفظ الموصوف وصفته جازت إضافته إليها ، وأوردوا ما قدّمته من الأمثلة.
قال الفرّاء (٩) : هي إضافة الشيء إلى نفسه ، كقولك : «بارحة الأولى» و «يوم الخميس» و «حقّ اليقين» ، وإنما يجوز عند اختلاف اللّفظين وقراءة ابن عامر موافقة لمصحفه ، فإنها رسمت في مصاحف الشّاميين بلام واحدة.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٦ ، البحر المحيط ٤ / ١١٣ ، حجة القراءات ص (٢٤٦).
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٦ ، حجة القراءات ص (٢٤٦).
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٦ ، الحجة لأبي زرعة ص (٢٤٦) ، السبعة ص (٢٥٦) ، النشر ٢ / ٢٥٧ ، التبيان ١ / ٤٩٠ ، المشكل ١ / ٢٥١ ، المصاحف لابن أبي داود ص (٤٥) ، الكشاف ٢ / ١٧.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في أ.
(٨) سقط في ب.
(٩) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٣٠.