قوله : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) أي : خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ودمّرنا قومهم.
وفي فاعل «جاء» وجهان :
أحدهما : هو مضمر ، واختلفوا فيما يعود عليه هذا الضمير ، فقال ابن عطية (١) : الصّواب عندي أن يقدر «جلاء» أو «بيان».
وقال الرّمّاني : تقديره : «نبأ».
وقال أبو حيّان (٢) : «الذي يظهر لي أنّه يعود على ما دلّ عليه المعنى من الجملة السّابقة ، أي : ولقد جاءك هذا الخبر من تكذيب أتباع الرّسل للرّسل ، والصّبر والإيذاء إلى أن نصروا».
وعلى هذه الأقوال يكون (مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) في محلّ نصب على الحال وعاملها هو «جاء» ؛ لأنه عامل في صاحبها.
والثاني : أنّ «من نبأ» هو الفاعل. ذكره الفارسي ، وهذا إنما يتمشّى له على رأي الأخفش (٣) ؛ لأنه لا يشترط في زيادتها شيئا ، وهذا ـ كما رأيت ـ كلام موجب ، والمجرور ب «من» معرفة.
وضعف أيضا (٤) من جهة المعنى بأنه لم يجئه كلّ نبأ للمرسلين ؛ لقوله : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [غافر : ٧٨] ، وزيادة «من» تؤدّي إلى أنه جاءه جميع
الأنباء ؛ لأنه اسم جنس مضاف ، والأمر بخلافه. ولم يتعرّض الزمخشري (٥) للفاعل إلّا أنه قال : «ولقد جاءك من نبأ المرسلين بعض أنبائهم وقصصهم» وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ؛ إذ «من» لا تكون فاعلة ، ولا يجوز أن يكون «من نبأ» صفة لمحذوف هو الفاعل ، أي : ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين ؛ لأن الفاعل لا يحذف بحال إلّا في مواضع ذكرت ، كذا قالوا.
قال أبو البقاء (٦) : «ولا يجوز عند الجميع أن تكون «من» صفة لمحذوف ، لأن الفاعل لا يحذف ، وحرف الجر إذا لم يكن زائدا لم يصحّ أن يكون فاعلا ؛ لأن حرف الجر يعدّي كل فعل يعمل في الفاعل من غير تعدّ».
يعني بقوله : «لم يصح أن يكون فاعلا» لم يصح أن يكون المجرور بذلك الحرف ، وإلّا فالحرف لا يكون فاعلا ألبتّة.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٨٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١١٨.
(٣) ينظر : معاني القرآن ٢٧٤.
(٤) في ب : وضعف هذا أيضا.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ١٨.
(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٠.