الجثث ، وقد تقدّم البحث في ذلك في «البقرة» ، وهنا عند قوله : (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً) [الأنعام : ٦].
قوله : «وأوذوا» يجوز فيه أربعة أوجه :
أظهرها : أنه عطف على قوله : «كذّبت» أي : كذّبت الرّسل ، وأوذوا ، فصبروا على ذلك.
والثاني : أنه معطوف على «صبروا» أي : فصبروا وأوذوا.
والثالث ، وهو بعيد : أن يكون معطوفا على «كذّبوا» ، فيكون داخلا في صلة الحرف المصدريّ ، والتّقدير فيه : فصبروا على تكذيبهم وإيذائهم.
والرابع : أن يكون مستأنفا.
قال أبو البقاء (١) : «ويجوز أن يكون الوقف ثمّ على قوله : «كذّبوا» ، ثم استأنف فقال : وأوذوا».
وقرأ الجمهور (٢) : «وأوذوا» بواو بعد الهمزة ؛ [من «آذى» «يؤذي» رباعيا.
وقرأ (٣) ابن عامر في رواية شاذّة : «وأذوا» من غير واو بعد الهمزة](٤) وهو من «أذيت» الرجل ثلاثيا لا من «آذيت» رباعيا.
قوله : (حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) الظّاهر أن هذه الغاية متعلقة بقوله : «فصبروا» ، أي : كان غاية صبرهم نصر الله إياهم ، وإن جعلنا «وأوذوا» عطفا عليه كانت غاية لهما ؛ وهو أوضح وإن جعلناه مستأنفا كانت غاية له فقط ، وإن جعلناه معطوفا على «كذّبت» فتكون الغاية للثلاثة ، و «النصر» مضافا لفاعله ومفعوله محذوف ، أي : نصرنا أتاهم ، وفيه التفات من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلّم ، إذ قبله (بِآياتِ اللهِ) ، فلو جاء على ذلك لقيل «نصره».
وفائدة الالتفات إسناد النصر إلى ضمير المتكلّم المشعر بالعظمة.
قوله : (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) يعني أن وعد الله إيّاك بالنصر حقّ وصدق لا يمكن تطرّق الخلف والتبديل إليه ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) [الصافات : ١٧١ ، ١٧٢] وقوله : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَ) [المجادلة : ٢١] وهذه الآية تدلّ على قول أهل السّنّة في خلق الأفعال ؛ لأن كل ما أخبر الله عن وقوعه ، فذلك الخبر ممتنع التغيير ، وإذا امتنع تطرّق التغيير إلى ذلك الخبر امتنع [تطرق التغيير إلى المخبر عنه](٥) فإذا أخبر الله عن بعضهم بأنه يموت على الكفر كان ترك الكفر منه محالا ، فكان تكليفه بالإيمان تكليفا بما لا يطاق ، والله أعلم.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٠.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٩.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.