في مثل هذا التركيب التّنازع ، وذلك أن كلّا من «كان» وما بعدها من الأفعال المذكورة في هذه الأمثلة يطلب المرفوع من جهة المعنى ، وشروط الإعمال موجودة.
قال شهاب الدين (١) : وكنت قديما سألت الشيخ ـ يعني أبا حيّان ـ عن ذلك ، فأجاب بالمنع محتجّا بأن شرط الإعمال ألّا يكون أحد المتنازعين مفتقرا إلى الآخر ، وألّا يكون من تمام معناه و «كان» مفتقرة إلى خبرها ، وهو من تمام معناها ، وهذا الذي ذكره من المنع ، وترجيحه (٢) ظاهر ، إلّا أن النحويين لم يذكروه في شروط الإعمال.
وقوله : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ) مؤوّل بالاستقبال ، وهو التّبيّن والظهور فهو كقوله : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) [يوسف : ٢٦] أي : إن تبيّن وظهر ، وإلّا فهذه الأفعال قد وقعت وانقضت فكيف تقع شرطا؟
وقد تقدّم أنّ المبرّد يبقي «كان» خاصّة على مضيّها في المعنى مع أدوات الشّرط ، وليس بشيء.
وأمّا : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) فهو مستقبل معنى ؛ لأنه لم يقع ، بخلاف كون ه «كبر عليه إعراضهم» ، وقدّ القميص ، و «أن تبتغي» مفعول الاستطاعة.
و «نفقا» مفعول الابتغاء.
والنّفق : السّرب النّافذ في الأرض ، وأصله من جحرة اليربوع ، ومنه : النّافقاء ، والقاصعاء ، وذلك أن اليربوع يحفر في الأرض سربا ويجعل له بابين ، وقيل : ثلاثة : النّافقاء والقاصعاء والدّابقاء ، ثم يرقّ بالحفر ما تقارب وجه الأرض ، فإذا نابه أمر دفع تلك القشرة الرقيقة وخرج ، وقد تقدّم استيفاء هذه المادّة عند قوله : (يُنْفِقُونَ) [البقرة : ٣] ، و (الْمُنْفِقِينَ) [النساء : ٦١].
وقوله (فِي الْأَرْضِ) ظاهره أنه متعلق بالفعل قبله ، ويجوز أن يكون صفة ل «نفقا» فيتعلّق بمحذوف وهو صفة لمجرّد التوكيد ، إذ النّفق لا يكون إلّا في الأرض.
وجوّز أبو البقاء (٣) مع هذين الوجهين أن يكون حالا من فاعل «تبتغي» ، أي : وأنت في الأرض. قال : وكذلك في السماء. يعني من جواز الأوجه الثلاثة ، وهذا الوجه الثالث ينبغي ألّا يجوز لخلوّه عن الفائدة.
والسّلّم : قيل المصعد ، وقيل : الدّرج ، وقيل : السّبب تقول العرب : اتّخذني سلّما لحاجتك ، أي : سببا.
قال كعب بن زهير : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٥٠.
(٢) في ب : ترجيح.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٠.