وقيل : معناها (١) خلق السماوات والأرض ، وقد جعل الظلمات والنّور ؛ لأنه خلق الظّلمة والنّور قبل السماوات والأرض.
قال قتادة : خلق الله السّموات قبل الأرض ، وخلق الظّلمة قبل النّور ، والجنّة قبل النّار (٢).
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله خلق خلقه في ظلمة ، ثمّ ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النّور اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ» (٣).
قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)
«ثمّ» هذه ليست للتّرتيب الزّماني ، وإنّما هي للتّراخي بين الرّتبتين (٤) ، والمراد استبعاد أن يعدلوا به غيره مع ما أوضح من الدّلالات ، وهذه عطف : إمّا على قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، وإمّا على قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ)(٥).
قال الزمخشري (٦) : «فإن قلت : فما معنى «ثم»؟ قلت : استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته ، وكذلك (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنّه محييهم ، ومميتهم وباعثهم».
وقال ابن عطية (٧) : «ثمّ» دالّة على قبح فعل الذين كفروا ، فإنّ خلقه للسموات والأرض وغيرهما قد تقرّر ، وآياته قد سطعت ، وإنعامه بذلك قد تبيّن ، ثمّ مع هذا كلّه يعدلون به غيره.
قال أبو حيّان (٨) : ما قالاه من أنّها للتّوبيخ والاستبعاد ليس بصحيح ؛ لأنها لم توضع (٩) لذلك ، والاستبعاد والتّوبيخ مستفاد من السّياق لا من «ثمّ» ، ولم أعلم أحدا من النحويين ذكر ذلك ، بل «ثمّ» هنا للمهلة في الزّمان ، وهي عاطفة جملة اسمية [على جملة اسمية](١٠) يعني على (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
ثمّ اعترض على الزمخشري في تجويزه (١١) أن تكون معطوفة على «خلق» [لأنّ
__________________
(١) في ب : معنى الآية.
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه الترمذي (٢٦٤٤) وأحمد (٢ / ١٩٧) والحاكم (١ / ٣٠ ـ ٣١) والطيالسي (٥٧ ـ منحة) وابن حبان (١٨١٢ ـ موارد) من حديث عبد الله بن عمرو.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن.
وقال الحاكم : «هذا حديث صحيح قد تداوله الأئمة وقد احتجّا بجميع رواته ثم لم يخرجاه ولا أعلم له علة» ووافقه الذهبي.
(٤) في ب : التريبين.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤.
(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٤.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٦٦ ، والبحر المحيط ٤ / ٧٣.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٤.
(٩) في ب : توضح.
(١٠) سقط في ب.
(١١) في ب : تجوزه.