والمنكرون لهذه العجائب صمّ لا يسمعون كلاما ، بكم لا ينطقون بالحق ، خائضون في ظلمات الكفر ، غافلون عن تأمّل هذه الدلائل (١).
قوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) في «من» وجهان :
أحدهما : أنها مبتدأ ، وخبرها ما بعدها ، وقد عرف غير مرّة.
ومفعول «يشأ» محذوف ، أي : من يشأ الله إضلاله.
والثاني : أنه منصوب بفعل مضمر يفسّره ما بعده من حيث المعنى ، ويقدّر ذلك الفعل متأخّرا عن اسم الشّرط لئلا يلزم خروجه عن الصّدر.
وقد تقدّم التّنبيه على ذلك ، وأن فيه خلافا ، والتقدير : من يشق الله يشأ إضلاله ، ومن يسعد يشأ هدايته.
فإن قيل : هل يجوز أن تكون «من» مفعولا مقدّما ل «يشاء»؟
فالجواب : أن ذلك لا يجوز لفساد المعنى.
فإن قيل : أقدّر مضافا هو المفعول حذف وأقيمت «من» مقامه ، تقديره : إضلال من يشاء ، وهداية من يشاء ، ودلّ على هذا المضاف جواب الشرط.
فالجواب أن الأخفش حكى عن العرب أنّ اسم الشّرط غير الظرف ، والمضاف إلى اسم الشرط لا بد أن يكون في الجزاء ضمير يعود عليه ، أو على ما أضيف إليه ، فالضّمير في «يضلله» و «يجعله» : إمّا أن يعود على المضاف المحذوف ، ويكون كقوله : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ) [النور : ٤٠].
فالهاء في «يغشاه» تعود على المضاف ، أي : كذي ظلمات يغشاه.
وإمّا أن يعود على اسم الشرط [والأول ممتنع ؛ إذ يصير التقدير : إضلال من يشأ الله يضلله ، أي : يضلّ الإضلال ، وهو فاسد.
والثاني أيضا ممتنع لخلو الجواب من ضمير يعود على المضاف إلى اسم الشرط](٢).
فإن قيل : يجوز أن يكون المعنى : من يشأ الله بالإضلال ، وتكون «من» مفعولا مقدّما ؛ لأن «شاء» بمعنى «أراد» ، و «أراد» يتعدّى بالباء.
قال الشاعر : [الطويل]
٢١٥٧ ـ أرادت عرارا بالهوان ومن يرد |
|
عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم (٣) |
قيل : لا يلزم من كون «شاء» بمعنى «أراد» أن يتعدّى تعديته ، ولذلك نجد اللفظ
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) سقط في أ.
(٣) تقدم.