(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠] ، (إِذا دَعانِ) [البقرة : ١٨٦] ومن كلام العرب: «دعوت الله سميعا».
قلت : ومثله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠] (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً) [الأعراف : ٥٥] قال : «ولا تقول بهذا المعنى : «دعوت إلى الله» بمعنى : دعوت الله ، إلّا أنه يمكن أن يصحّح كلامه بمعنى التّضمين ، ضمّن «تدعون» معن ى «تلجؤون فيه إلى الله» إلّا أنّ التضمين ليس بقياس ، لا يصار إليه إلّا عند الضّرورة ، ولا ضرورة تدعو إليه هنا».
قال شهاب الدين (١) : ليس التضمين مقصورا على الضرورة ، وهو في القرآن أكثر من أن يحصر ، وقد تقدّم منه جملة صالحة ، وسيأتي إن شاء الله ـ تعالى ـ مثلها على أنه قد يقال : تجويز أبي محمّد عود الضمير إلى الله ـ تعالى ـ محمول على أن «إليه» متعلّق ب «يكشف» ، كما تقدّم نقله عن أبي البقاء ، وأن معناه يرفعه إليه ، فلا يلزم المحذور المذكور ، لو لا أنه يعكّر عليه تقديره بقوله : «تدعون فيه إليه» ، فتقديره : «فيه» ظاهره أنه يزعم تعلّقه ب «تدعون».
قوله : «إن شاء» جوابه محذوف لفهم المعنى ، ودلالة ما قبله عليه ، أي : إن شاء أن يكشف كشف ، وادّعاء تقديم جواب الشرط هنا واضح لاقترانه ب «الفاء» فهو أحسن من قولهم : «أنت ظالم إن فعلت» لكن يمنع من كونها جوابا هنا أنها سببيّة مرتبة ، أي : أنها أفادت ترتّب الكشف عن الدعاء ، وأن الدّعاء سبب فيه ، على أن لنا خلافا في «فاء» الجزاء : هل تفيد السّببيّة أو لا؟
قوله : (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) الظاهر في «ما» أن تكون موصولة اسمية ، والمراد بها ما
عبد من دون الله مطلقا : العقلاء وغيرهم ، إلّا أنه غلّب غير العقلاء عليهم كقوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ) [النحل : ٤٩] والعائد محذوف ، أي : ما تشركونه مع الله في العبادة.
وقال الفارسي : «الأصل : وتنسون دعاء ما تشركون ، فحذف المضاف».
ويجوز أن تكون مصدريّة ، وحينئذ لا تحتاج إلى عائد عند الجمهور.
ثم هل هذا المصدر باق على حقيقته؟ أي : تنسون الإشراك نفسه لما يلحقكم من الدّهشة والحيرة ، أو هو واقع موقع المفعول به ، أي : وتنسون المشرك به ، وهي الأصنام وغيرها ، وعلى هذه فمعناه كالأوّل ، وحينئذ يحتمل أن يكون السياق على بابه من «الغفلة» وأن يكون بمعنى التّرك ، وإن كانوا [ذاكرين](٢) لها أي : للأصنام وغيرها.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٦٣.
(٢) في ب : داركين.