أنه إذا جاز أن يكون حالا من ظاهره ، جاز أن يكون حالا من ضميره ، إلا أن يمنع مانع.
قوله : «ونردّ» فيه وجهان :
أظهرهما : أنه نسق على «ندعوا» فهو داخل في حيّز الاستفهام المتسلّط عليه القول.
الثاني : أنه حال على إضمار مبتدأ ؛ أي : ونحن نردّ.
قال أبو حيّان (١) بعد نقله هنا عن أبي البقاء : «وهو ضعيف لإضمار المبتدأ ، ولأنها تكون حالا مؤكّدة» ، وفي كونها مؤكدة نظر ؛ لأن المؤكدة ما فهم معناها من الأوّل ، وكأنه يقول : من لازم الدعاء (مِنْ دُونِ اللهِ) الارتداد على العقب.
قوله : (عَلى أَعْقابِنا) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلّق ب «نردّ».
والثاني : أنه متعلّق بمحذوف على أنه حال من مرفوع «نرد» أي : نرد راجعين على أعقابنا ، أو منقلبين ، أو متأخرين كذا قدّروه ، وهو تفسير معنى ؛ إذا المقدّر في مثله كون مطلق ، وهذا يحتمل أن يقال فيه : إنه حال مؤكدة ، و «بعد إذ» متعلّق ب «نردّ».
[ومعنى الآية : ونرد على أعقابنا إلى الشّرك مرتدين بعد إذ هدانا الله إلى الإسلام.
يقال لكل من أعرض عن الحق إلى الباطل : إنه رجع إلى خلف ، ورجع على عقبيه ، ورجع القهقرى ؛ لأن الأصل في الإنسان الجهل ثم يترقى ويتعلم حتى يتكامل ، ويحصل له العلم. قال تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) [النحل : ٧٨] فإذا رجع من العلم إلى الجهل مرة أخرى ، فكأنه رجع إلى أوّل أمره ، فلهذا السبب يقال : فلان ردّ على عقبيه](٢).
قوله (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ) في هذه الكاف وجهان :
أحدهما : أنه نعت مصدر محذوف ؛ أي : نردّ ردّا مثل ردّ الذين.
الثاني : في محلّ نصب على الحال من مرفوع «نرد» ، أي : نرد مشبهين الذي استهوته الشياطين ، فمن جوّز تعدّد الحال جعلها حالا ثانية ، إن جعل (عَلى أَعْقابِنا) حالا ، ومن لم يجوّز ذلك جعل هذه الحال بدلا من الحال الأولى ، أو لم يجعل على أعقابنا حالا ، بل متعلّقا ب «نرد». والجمهور على (٣) «استهوته» بتاء التأنيث ، وحمزة (٤) «استهواه» وهو على قاعدته من الإمالة ، والوجهان معروفان مما تقدم في (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) [الأنعام : ٦١] وقرأ (٥) أبو عبد الرحمن والأعمش : «استهوته الشّيطان» بتأنيث الفعل ، والشيطان مفردا.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٩٣.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٩٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٦٢ ، حجة القراءات ص (٢٥٦).
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٩٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٢ ، حجة القراءات ص (٢٥٦).
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٩٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٦٢ ، روح المعاني ٧ / ١٨٩.