أحدهما : على قراءة الضم يكون محمولا على النداء ، ونداء الأب بالاسم الأصليّ من أعظم أنواع الإيذاء.
وثانهيما : إذا قلنا بأنه المعوج أو المخطىء أو اسم الصّنم ، فتسميته له بذلك من أعظم أنواع الإيذاء له ، وإنما قلنا : إن مشافهة الآباء بالجفاء والغلظة لا تجوز لقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [الإسراء : ٢٣] وقال تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) [الإسراء : ٢٣] وهذا عام في حقّ الأب الكافر والمسلم.
وأيضا فلأمره ـ تعالى ـ موسى عليه الصلاة والسلام حين بعثه إلى فرعون [بالرّفق معه فقال تعالى :](١)(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) [طه : ٤٤] وذلك لرعاية حقّ تربية فرعون لموسى فالوالد أولى بالرّفق.
وأيضا فالدعوة مع الرّفق أكثر تأثيرا في القلب ، وأما التغليظ فإنه يوجب التّنفير والبعد عن القبول ؛ قال تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] فكيف يليق بإبراهيم مثل هذه الخشونة مع أبيه. وأيضا قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) [هود : ٧٥] فكيف يليق بالرّجل الحليم مثل هذا الجفاء مع الأب.
الحجة الثالثة : قوله عليه الصلاة والسلام : «ردّوا عليّ أبي العبّاس» (٢) يعني عمه.
الحجة الرابعة : يحتمل أن آزر كان والد أم إبراهيم وقد يقال له : الأب ؛ قال تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إلى قوله : (وَعِيسى) [الأنعام : ٨٤] فجعل عيسى من ذرّيّة إبراهيم ، مع أن إبراهيم كان جدّ عيسى من قبل الأم.
وقال عليه الصلاة والسلام في حق الحسن «إنّ ابني هذا» (٣) فثبت بهذه الوجوه أن «آزر» ما كان والد إبراهيم.
والجواب عن الأوّل أن نصّ الكتاب يدلّ على أن آزر كان كافرا وأنه والد إبراهيم ، وقال تعالى: (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة : ١١٤].
وأما قوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء : ٢١٩] فقد تقدم أنه يحتمل وجوها.
وقولهم : «وتحمل الآية على الكل» فنقول : هذا محال ؛ لأن حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه لا يجوز ، وأيضا حمل اللفظ على حقيقته ومجازه معا لا يجوز ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام : «لم أزل أنقل من أصلاب الطّاهرين إلى أرحام الطّاهرات»
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (١٤ / ٤٨٤) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣ / ٣١٥) وابن عساكر (٧ / ٢٣٦ ـ تهذيب).
(٣) تقدم.