وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير : يعني ملكوت السماوات والأرض ، وذلك أنه أقيم على صخرة وكشف له عن السماوات والأرض حتى العرش ، وأسفل الأرضين ونظر إلى مكانه في الجنة فذلك قوله : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) [العنكبوت : ٢٧] ، أي : أريناه مكانه في الجنة (١).
وروي عن سلمان ورفعه بعضهم عن علي لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض أبصر رجلا على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم أبصر آخر فأراد أن يدعو عليه فقال له عزوجل يا إبراهيم إنك رجل مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي فإنما أنا من عبدي على ثلاث خلال إما أن يتوب فأتوب عليه وإما أن أخرج منه نسمة تعبدني ، وإما أن يبعث إليّ فإن شئت غفرت له وإن شئت عاقبته (٢).
وفي رواية عن ابن عباس : وأما من يتولى فإن جهنم من ورائه (٣). وطعن القاضي في هذه الرواية من وجوه (٤) :
أحدها : أن أهل السماء من الملائكة المقرّون ، وهم لا يعصون الله.
وثانيها : أن الأنبياء لا يدعون بهلاك المذنب إلا عن أمر الله وإذا أذن الله فيه لم يجز أن يمنعه من إجابة دعائه.
وثالثها : أن ذلك الدّعاء إما أن يكون صوابا أو خطأ ؛ فإن كان صوابا فلم ردّه في المرة الثانية؟ وإن كان خطأ فلم قبله في المرة الأولى؟ ثم قال وأخبار الآحاد إذا وردت على خلاف المعقول وجب التّوقّف فيها.
ويمكن أن يجاب عنه بأن الرجل المذنب الذي رآه كان في ملكوت الأرض. وعن الثانية بأنه يحمل أن يكون قد أذن في الدعاء على الأوّل ، ومنع في الثاني للاحتمال الذي ذكره في قوله : «يخرج منه نسمة تعبدني».
وعن الثّالث أنّ الدعاء للأول.
وقيل : هذه الآراء كانت بعين البصيرة والعقل لا بالبصر ؛ لأن الملكوت عبارة عن الملك ، والملك عبارة عن القدرة ، والقدرة إنما تعرف بالعقل.
فإن قيل : رؤية القلب على هذا حاصلة لجميع الموحّدين؟.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٥ / ٢٤١ ـ ٢٤٢) عن مجاهد وسعيد بن جبير.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥) وعزاه لابن مردويه عن علي بن أبي طالب.
(٣) أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل كما في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٥) وعزاه لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ.
وعزاه أيضا (٣ / ٤٥) لعبد بن حميد وأبي الشيخ عن عطاء.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ٣٦.