وتعديا إلا أن الأجود في الاستعمال جنّ عليه الليل ، وأجنه الليل ، فيكون الثلاثيّ لازما وأفعل متعديا.
ومن مجيء الثلاثي متعديا قوله : [المتقارب]
٢٢١٢ ـ وماء وردت قبيل الكرى |
|
وقد جنّه السّدف الأدهم (١) |
ومصدره جنّ وجنان وجنون.
وفرق الرّاغب (٢) بين «جنّه» و «أجنّه» ، فقال : جنه إذا ستره ، وأجنه جعل له ما يجنه ، كقولك : قبرته وأقبرته ، وسقيته وأسقيته وقد تقدم لك شيء من هذا عند ذكر «حزن» و «أحزن» [البقرة : ٣٨] ويحتمل أن يكون «جنّ» في الآية الكريمة متعديا حذف المفعول فيها ، تقدير : جنّ عليه الأشياء والمبصرات.
قوله : (رَأى كَوْكَباً) هذا جواب «لمّا» ، وللقراء فيه وفيما بعده من الفعلين خلاف كبير بالنسبة إلى الإمالة وعدمها ، وتلخيصه أن «رأى» الثابت الألف فأمال راءه وهمزته إمالة محضة (٣) الأخوان ، وأبو بكر عن عاصم ، وابن ذكوان عن ابن عامر ، وأمال الهمزة منه فقط دون الراء أبو عمرو وبكماله ، وأمال السوسي بخلاف عنه عن ابن عمرو الراء أيضا ، فالسوسي في أحد وجهيه يوافق الجماعة المتقدمين ، وأمال ورش الراء والهمزة بين بين من هذا الحرف ، حيث وقع هذا كله ما لم يتّصل به ضمير نحو ما تقدم ، فأما إن اتّصل به ضمير نحو : (فَرَآهُ فِي سَواءِ) [الصافات : ٥٥] (فَلَمَّا رَآها) [النمل : ١٠] (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ) [الأنبياء : ٣٦] ، فابن ذكوان عنه وجهان ، والباقون على أصولهم المتقدمة.
وأما «رأى» إذا حذفت ألفه فهو على قسمين : قسم لا تعود فيه ألبتة لا وصلا ولا وقفا ، نحو : (رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ) [الفرقان : ١٢] (رَأَوُا الْعَذابَ) [يونس : ٥٤] فلا إمالة في شيء منه ، وكذا ما انقلبت ألفه ياء نحو : (رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ) [الإنسان : ٢٠].
وقسم حذفت ألفه لالتقاء السّاكنين وصلا ، وتعود وقفا نحو : (رَأَى الْقَمَرَ) [الأنعام : ٧٧] (رَأَى الشَّمْسَ) [الأنعام : ٧٨] (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) [الكهف : ٥٣] (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [النحل : ٨٥] فهذا فيه خلاف أيضا بين أهل الإمالة اعتبارا باللفظ تارة ، وبالأصل أخرى ، فأمال الراء وحدها من غير خلاف حمزة وأبو بكر عن عاصم والسّوسي بخلاف عنه وحده ، وأما الهمزة فأمالها مع الراء أبو بكر والسّوسي بخلاف عنهما ، هذا كله إذا وصلت ، أما إذا وقفت فإن الألف ترجع لعدم المقتضي لحذفها ، وحكم هذا
__________________
(١) البيت لعامر بن سدوس أو للبريق الهذلي أو لعياض بن خويلد الخناعي ، ينظر : ديوان الهذليين ٣ / ٥٦ ، اللسان (سدف) ، البحر ٤ / ١٦٧ ، الدر المصون ٣ / ١٠٤.
(٢) ينظر : المفردات ٩٨.
(٣) ينظر : السبعة ٢٦٠ ، والنشر ٢ / ٤٤ ، والحجة ٢٥٦.