نفسك وبزعمك ، وكقوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] يريد إلهك بزعمك ، وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ) [القصص : ٦٢] أي: في زعمهم.
وثالثها : أن المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار ، تقديره : أهذا ربّي ، إلا أنه أسقط حرف الاستفهام استغناء لدلالة الكلام عليه ، كقوله (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤].
ورابعها : أن يكون القول مضمرا فيه ، والتقدير : يقولون : هذا ربّي ، وإضمار القول كثير كقوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا) [البقرة : ١٢٧] أي يقولون :
ربنا ، وقوله : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] أي : يقولون : ما نعبدهم ، فكذا هاهنا تقديره : أن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال لقومه : يقولون : هذا ربي ، أي : هذا الذي يدبّرني ويربّيني.
خامسها : أن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذكر هذا الكلام على سبيل الاستهزاء.
سادسها : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان مأمورا بالدعوة ، فأراد أن يستدرج القوم بهذا القول ، ويعرفهم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظّموه ، وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ، فذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، ومقصوده من ذلك أن يريهم النّقص الدّاخل على فساد مذهبهم وبطلانه ، فأراهم أنه يعظم ما عظموه ، فلما أفل أراهم النّقص الدّاخل على النجوم ليريهم ، ويثبت خطأ ما يدّعون كمثل الحواري الذي ورد على قوم يعبدون الصّنم فأظهر تعظيمه فأكرموه حتى صدروا عن رأيه في كثير من الأمور إلى أن دهمهم عدوّ فشاوروه في أمره ، فقال : الرأي أن تدعوا هذا الصّنم حتى يكشف عنّا ما قد أظلنا ، فاجتمعوا عليه يتضرّعون ، فلما تبيّن لهم أنه لا ينفع ولا يدفع ، دعاهم إلى أن يدعوا الله ، فدعوه فصرف عنهم ما كانوا يحذرون وأسلموا.
واعلم أن المأمور بالدعوة إلى الله كان بمنزلة المكره على كلمة الكفر ، وهو عند الإكراه يجوز إجراء كلمة الكفر على اللسان ؛ قال تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [النحل : ١٠٦] وإذا جاز ذكر كلمة الكفر لإصلاح بقاء شخص واحد فبأن يجوز إظهار كلمة الكفر لتخليص عالم من العقلاء عن الكفر والعقاب المؤبّد أولى.
وأيضا المكره على ترك الصلاة ، ثم صلّى حتى قتل ، استحقّ الأجر العظيم ، ثم إذا كان وقت القتال مع الكفار ، وعلم أنه لو اشتغل بالصّلاة انهزم عسكر الإسلام وجب عليه ترك الصّلاة ، والاشتغال بالقتال ، حتى لو صلّى وترك القتال أثم ، ولو ترك الصلاة وقاتل ، استحق الثّواب ، بل نقول : إنّ من كان في الصلاة ورأى طفلا ، أو أعمى أشرف على الحرق أو غرق ، وجب عليه قطع الصلاة لإنقاذ الطفل ، والأعمى من البلاء ، فكذا هاهنا