فأوّلها : قوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) أي : نحن آتيناه تلك الحجّة ، وهديناه إليها ، وأفقنا عقله على حقيقتها ، وذكر نفسه باللفظ الدّالّ على العظمة [وذلك يوجب] أن تكون تلك النعمة عظيمة.
وثانيها : أنه ـ تعالى ـ خصّه بالرّفعة إلى الدّرجات العالية ، وهو قوله : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ).
وثالثها : أنه ـ تعالى ـ جعله عزيزا في الدّنيا ؛ لأنه جعل للأنبياء والدا ، والرّسل من نسله ومن ذرّيّته ، وأبقى هذه الكرامة في نسله إلى يوم القيامة فقال : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) لصلبه و «يعقوب» بعده من إسحاق.
فإن قيل : لم لم يذكر إسماعيل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مع إسحاق ، بل أخّر ذكره [عنه](١) بدرجات؟
فالجواب : أن المقصود بالذّكر هاهنا أنبياء بني إسرائيل ، وهم بأسرهم أولاد إسحاق.
وأمّا إسماعيل فإنه لم يخرج من صلبه نبيّ إلّا محمد عليه الصّلاة والسّلام ، [ولا يجوز ذكر محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ في هذا المقام ؛ لأنه تعالى أمر محمدا](٢) أن يحتجّ على العرب في نفي الشّرك بالله بأنّ إبراهيم لمّا ترك الشرك وأصرّ على التّوحيد رزقه الله النّعم العظيمة في الدنيا بأن آتاه أولادا كانوا أنبياء وملوكا ، فإذا كان المحتج بهذه الحجّة هو محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ امتنع أن يذكر في هذا المعرض.
فلهذا السبب لم يذكر إسماعيل مع إسحاق.
قوله : (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) فالمراد أنّه ـ تعالى ـ جعل إبراهيم في أشرف الأنساب ؛ لأنه رزقه أولادا مثل إسحاق ويعقوب ، وجعل أنبياء بني إسرائيل من نسلهما ، وأخرجه من أصلاب آباء طاهرين مثل «نوح» و «شيث» و «إدريس» ، والمقصود بيان كرامة إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بحسب الأولاد والآباء.
قوله : (مِنْ ذُرِّيَّتِهِ) «الهاء» فيها وجهان :
أحدهما : أنها تعود على نوح ؛ لأنه أقرب مذكور ، ولأنّ إبراهيم ومن بعده من الأنبياء كلهم منسوبون إليه ، [ولأنه ذكر من جملتهم لوطا ، وهو كان ابن أخي إبراهيم أو أخته ، ذكره مكّي وغيره ، وما كان من ذرّيّته ، بل كان من ذرّيّة نوح عليهالسلام ، وكان رسولا في زمن إبراهيم.
وأيضا : يونس ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ما كان من ذرّيّة إبراهيم.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.