وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : إن مالك بن الصيف كان من أحبار اليهود ورؤسائهم وكان رجلا سمينا فدخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له رسول صلىاللهعليهوسلم : «أنشدك بالّذي أنزل التّوراة على موسى هل تجد في التّوراة أن الله يبغض الحبر السّمين ، وأنت الحبر السّمين وقد سمنت من الأشياء الّتي تطعمك اليهود» فضحك القوم فغضب [مالك](١) بن الصيف ثم التفت إلى عمر ، فقال : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) فقال له قومه : ويلك؟ ما هذا الذي بلغنا عنك ، [أليس](٢) أن الله أنزل التوراة على موسى ، فلم قلت : ما أنزل الله على بشر من شيء؟ فقال مالك بن الصيف : إنه أغضبني ، فقلت ذلك فقالوا له : وأنت إن غضبت تقول على الله غير الحق ، فنزعوه عن رياستهم ؛ وجعلوا مكانة كعب بن الأشرف (٣).
وقال السّدّيّ : نزلت في فنحاص بن عازوراء (٤) وهو قائل هذه المقالة.
قال ابن عباس : قالت اليهود : يا محمد أنزل الله عليك كتابا؟ قال : «نعم». قالوا : والله ما أنزل من السماء كتابا ، فأنزل الله تبارك وتعالى (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)(٥) ؛ إذ قالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) ، وفي سبب النزول سؤالات :
السؤال الأول : لفظ الآية وإن كان مطلقا إلّا أنه يتقيّد بحسب العرف ألا ترى أن المرأة إذا أرادت أن تخرج [من الدار](٦) فغضب الزّوج ، فقال : إن خرجت من الدار فأنت طالق ، فإن كثيرا من الفقهاء قالوا : اللفظ وإن كان مطلقا إلا أنه بحسب العرف يتقيّد بتلك المرأة ، فكذا هاهنا فقوله: (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) وإن كان مطلقا بحسب أصل اللغة إلّا أنه يتقيد بتلك الواقعة بحسب العرف ، فكان لقوله تعالى : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) في أنه يبغض الحبر السمين ، وإذا كان هذا المطلق محمولا على هذا المقيّد لم يكن قوله : (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً) مبطلا لكلامه.
السؤال الثاني : أن مالك بن الصيف كان مفتخرا بكونه يهوديّا متظاهرا بذلك ، ومع هذا المذهب لا يمكنه أن يقول : ما أنزل الله على بشر من شيء إلا على سبيل الغضب المدهش للعقل ، أو على سبيل طغيان اللسان ، ومثل هذا الكلام لا يليق بالله ـ تبارك
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٦٢) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٤) عن سعيد وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
وذكره الرازي في تفسيره (١٣ / ٦١) عن ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٦٣) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٣ ـ ٥٤) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عنه ولم ينسبه للطبري.
(٥) أخرجه الطبري (٥ / ٢٦٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٣) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس.
(٦) سقط في أ.