على وعيد من ادّعى النبوة والرسالة كذبا وافتراء.
قال قتادة : نزلت هذه الآية في مسيلمة الكذّاب الحنفيّ صاحب «اليمامة» وفي الأسود العنسي صاحب «صنعاء» كانا يدّعيان الرّسالة والنبوة من عند الله كذبا وافتراء ، وكان مسيلمة يقول لمحمد صلىاللهعليهوسلم : محمد رسول قريش ، وأنا رسول بني حنيفة (١).
وقال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض ، فوضع في يديّ سواران من ذهب فكبرا عليّ وأهمّاني ، فأوحى الله إليّ أن أنفخهما فذهبا فأوّلتهما الكذّابين الّلذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب يمامة» (٢).
قال القاضي (٣) : الذي يفتري على الله الكذب يدخل فيه من يدّعي الرسالة كذبا ولكن لا يقتصر عليه ؛ لأن العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السّبب.
قال القرطبي (٤) : ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن فيقول : وقع في خاطري كذا ، أو أخبرني قلبي بكذا ، فيحكمون بما وقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم ، ويزعمون أن ذلك لصفائها من الأكدار ، وخلوها من الأغيار ، فتتجلى لهم العلوم الإلهية ، والحقائق الرّبّانيّة ، فيقفون على أسرار الكليات ، ويعلمون أحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشّرائع ، ويقولون : هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأغبياء العامة ، وأما الأولياء ، وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النّصوص.
وقوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ) مبتدأ وخبر ، وقوله : «كذبا» فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه مفعول «افترى» أي : اختلق كذبا وافتعله.
الثاني : أنه مصدر له على المعنى ، أي : [افترى] افتراء ، وفي هذا نظر ؛ لأن المعهود في مثل ذلك إنما هو فيما كان المصدر فيه نوعا من الفعل ، نحو : قعد القرفصاء أو مرادفا له ك «قعدت جلوسا» أما ما كان المصدر فيه أعم من فعله نحو : افترى كذبا ، وتقرفص قعودا ، فهذا غير معهود ، إذ لا فائدة فيه والكذب أعمّ من الافتراء ، وقد تقدّم تحقيقه.
الثالث : أنه مفعول من أجله ، أي : افترى لأجل الكذب.
الرابع : أنه مصدر واقع موقع الحال ، أي : افترى حال كونه كاذبا ، وهي حال مؤكّدة.
وقوله : «أو قال» عطف على «افترى» و «إلى» في محلّ رفع لقيامه مقام الفاعل ، وجوز أبو البقاء أن يكون القائم مقام الفاعل ضمير المصدر ، قال : تقديره : «أوحى إليّ
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٣ / ٦٨.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٦٩) عن قتادة.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ٦٨.
(٤) ينظر : القرطبي ٧ / ٢٧.