مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) [الأحقاف : ٢٦] وأما مكنّا له فمعناه جعل له مكانا ، ومنه : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) [الكهف : ٨٤] (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) [القصص : ٥٧](١).
ومثله «أرض له» أي : جعل له أرضا ، هذا قول الزمخشري (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ وأما أبو حيّان (٣) ـ رضي الله عنه ـ فإنّه يظهر من كلامه التّسوية بينهما ، فإنّه قال : وتعدّي «مكّن» هنا للذّوات بنفسه وبحرف الجرّ ، والأكثر تعديته باللام [نحو](٤)(مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) [يوسف : ٢١] (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ) [الكهف : ٨٤] ، (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) [القصص : ٥٧].
وقال أبو عبيدة (٥) : «مكّنّاهم ومكّنّا لهم : لغتان فصيحتان ، نحو : نصحته ، ونصحت له» وبهذا قال أبو علي والجرجاني.
قوله : (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) في «ما» هذه خمسة أوجه (٦) :
أحدها : أن تكون موصولة بمعنى «الّذي» ، وهي حينئذ صفة لموصوف محذوف ، [والتقدير: التمكين الذي لم نمكّن لكم ، والعائد محذوف أي :](٧) الذي لم نمكّنه لكم.
الثاني : أنها نكرة صفة لمصدر محذوف تقديره : تمكينا ما لم نمكّنه لكم ، ذكرهما الحوفيّ رحمهالله تعالى (٨).
وردّ أبو حيّان (٩) ـ رحمهالله تعالى ـ الأوّل بأنّ «ما» بمعنى «الذي» لا تكون صفة لمعرفة ، وإن كان «الذي» يقع صفة لها ، لو قلت : «ضربت الضّرب ما ضرب زيد» تريد الضرب الذي ضربه زيد ، لم يجز ، فإن قلت : «الضّرب الذي ضربه زيد» جاز.
وردّ الثاني بأن «ما» النكرة التي تقع صفة لا يجوز حذف موصوفها ، لو قلت : «قمت ما وضربت ما» وأنت تعني : قمت قياما ما وضربت ضربا ما لم يجز.
الثالث : أن تكون مفعولا بها ل «مكّن» على المعنى ، لأنّ معنى مكّنّاهم : أعطيناهم ما لم نعطكم ، ذكره أبو البقاء (١٠) ـ رحمهالله ـ.
قال أبو حيّان (١١) ـ رحمهالله ـ : «هذا تضمين ، والتّضمين لا ينقاس».
الرابع : أن تكون «ما» مصدريّة ، والزّمان محذوف ، أي : مدّة ما لم نمكّن لكم ، والمعنى : مدّة انتفاء التمكين لكم.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٦.
(٣) البحر المحيط ٤ / ٨١.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٨٦ البحر المحيط ٤ / ٨١. الدر المصون ٣ / ١٠.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٠ البحر المحيط ٤ / ٨١.
(٧) سقط في ب.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨١ الدر المصون ٣ / ١٠.
(٩) انظر المصدرين السابقين.
(١٠) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٥ الدر المصون ٢ / ١١.
(١١) البحر المحيط ٤ / ٨١.