الثالث : أن الإله الواحد لا بد وأن يكون [كاملا](١) في صفة الإلهية ، فلو فرضنا إلها ثانيا لكان ذلك الثاني إما أن يكون مشاركا للأوّل في جميع صفات الكمال أو لا ، فإن كان مشاركا للأوّل في جميع صفات الكمال ، فلا بد وأن يكون متميزا بأمرها ، إذ لو لم يحصل الامتياز [بأمر من الأمور لم يحصل التعدّد والاثنينية ، وإذ حصل الامتياز بأمر ما ، فذلك الأمر المميز إما أن يكون من صفات الكمال أو لا يكون ، فإن كان من صفات الكمال مع أنه حصل الامتياز به](٢) لم يكن جميع صفات الكمال مشتركا فيه بينهما وإن لم يكن ذلك المميز من صفات الكمال ، فالموصوف به يكون موصوفا بصفة ليست من صفات الكمال ، وذلك نقصان ، فثبت بهذه الوجوه الثلاثة أن الإله الواحد كاف في تدبير العالم ، وأن الزائد يجب نفيه.
تمسّك العلماء ـ رضي الله عنهم ـ بقوله تبارك وتعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) على أنه ـ تبارك وتعالى ـ هو الخالق لأعمال العباد قالوا : لأن أعمال العباد أشياء ، والله خالق لكل شيء بحكم هذه الآية ، فوجب كونه خالقا لها.
قالت المعتزلة (٣) : هذا اللّفظ وإن كان عاما إلا أنه حصل مع هذه الآية وجوه تدلّ على أن أعمال العباد خارجة عن هذا العموم.
أحدها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ قال : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) ولو دخلت أعمال العباد تحته لصار تقدير الآية الكريمة : إنا خلقنا أعمالكم ، فافعلوها بأعيانها أنتم مرة أخرى ، وذلك فاسد.
وثانيها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ إنما [قال :](٤)(خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) في معرض المدح والثناء على نفسه ، فلو دخل تحت أعمال العباد لخرج عن كونه مدحا ؛ لأنه لا يليق به تعالى أن يمتدح بخلق الزنا واللواط ، والسرقة والكفر.
وثالثها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ قال بعد هذه الآية : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) وهذا تصريح بكون العبد مستقلا بالفعل والترك ، وأنه لا مانع له ألبتّة من الفعل والترك ، وذلك يدلّ على أن فعل العبد غير مخلوق لله تعالى [إذ لو كان مخلوقا لله ـ تعالى ـ لما](٥) كان العبد مستقلا به ؛ لأنه إذا أوجده الله تعالى امتنع من العبد دفعه ، وإذا لم يوجده الله ـ تعالى ـ امتنع من العبد تحصيله ، وإذا دلّت الآية على كون العبد مستقلا بالفعل والترك ، وامتنع أن يقال : فعل العبد مخلوق لله تعالى ثبت أن قوله تعالى : (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) يوجب تخصيص ذلك العموم.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٠٠.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.