أحدهما : الفصل بالمفعول.
والثاني : كون التأنيث مجازيّا.
والبصائر : جمع «بصيرة» وهي الدلالة التي توجب إبصار النفوس للشيء ومنه قيل للدّم الدال على القتيل «مبصرة» والبصيرة مختصّة بالقلب [كالبصر للعين ، هذا قول بعضهم.
وقال الراغب (١) : «ويقال لقوة القلب المدركة : «بصيرة وبصر»](٢) قال تبارك وتعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة : ١٤] وقال تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧] وتقدّم تحقيق هذا في أوائل سورة «البقرة».
وأراد بالبصائر الآيات المتقدمة ، وهي في نفسها ليست بصائر إلا أنها لقوتها وجلائها توجب البصائر لمن عرفها ، ووقف على حقائقها ، فلما كانت سببا لحصول البصائر سميت بالبصائر.
قوله : (مِنْ رَبِّكُمْ) يجوز أن يتعلّق بالفعل قبله ، وأن يتعلّق بمحذوف على أنه صفة لما قبله ، أي : بصائر كائنة من ربكم و «من» في الوجهين لابتداء الغاية مجازا.
قوله : (فَمَنْ أَبْصَرَ) يجوز أن تكون شرطيّة ، وأن تكون موصولة فالفاء جواب الشّرط على الأوّل ، ومزيدة في الخبر لشبه الموصول باسم الشرط على الثّاني ، ولا بدّ قبل لام الجرّ من محذوف يصحّ به الكلام ، والتقدير : فالإبصار لنفسه ، ومن عمي فالعمى عليها ، فالإبصار والعمى مبتدآن ، والجارّ بعدهما هو الخبر ، والفاء داخلة على هذه الجملة الواقعة جوابا أو خبرا ، وإنما حذف مبتدؤها للعلم به ، وقدّر الزجاج (٣) قريبا من هذا ، فقال : «فلنفسه نفع ذلك ومن عمي فعليها ضرر ذلك».
وقال الزمخشري (٤) : «فمن أبصر الحق وآمن فلنفسه أبصر وإياها نفع ، ومن عمى فعليها ، أي : فعلى نفسه عمى ، وإياها ضر».
قال أبو حيّان (٥) : وما قدّرناه من المصدر أولى ، وهو : فالإبصار والعمى لوجهين :
أحدهما : أن المحذوف يكون مفردا لا جملة ، والجار يكون عمدة لا فضلة ، وفي تقديره هو المحذوف جملة ، والجار والمجرور فضلة.
والثاني : وهو أقوى ، وذلك أنه لو كان التقدير فعلا لم تدخل الفاء سواء كانت شرطيّة أم موصولة مشبهة بالشرط ؛ لأن الفعل الماضي إذا لم يكن دعاء ولا جامدا ، ووقع جواب الشّرط أو خبر مبتدأ مشبّه بالشرط لم تدخل الفاء في جواب الشرط ، ولا في خبر
__________________
(١) ينظر : المفردات ٤٩.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٠٦.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٥.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٩٩.