تصريفا مثل التصريف في هذه السورة.
والمراد بالتّصريف أنه ـ تبارك وتعالى ـ يأتي بها متواترة حالا بعد حال.
قوله : «وليقولوا» الجمهور على كسر (١) اللام وهي لام كي ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» فهو في تأويل مصدر مجرور بها على ما عرف [غير مرّة] ، وسماها أبو البقاء (٢) وابن عطية (٣) لام الصّيرورة ، كقوله تبارك وتعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] وكقوله : [الوافر]
٢٢٧٩ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
.......... (٤) |
أي : لما صار أمرهم إلى ذلك عبّر بهذه العبارة ، والعلّة غير مرادة في هذه الأمثلة ، والمحقّقون يأبون جعلها للعاقبة والصّيرورة ، ويؤوّلون ما ورد من ذلك على المجاز.
وجوّز أبو البقاء (٥) فيها الوجهين ؛ أعني كونها «لام» العاقبة ، أو العلّة حقيقة ، فإنه قال : «واللام لام العاقبة ، أي : إن أمرهم يصير إلى هذا».
وقيل : إنه قصد بالتصريف أن يقولوا : درست عقوبة لهم ، يعني : فهذه علّة صريحة ، وقد أوضح بعضهم هذا ، فقال : المعنى : يصرّف هذه الدلائل حالا بعد حال ليقول بعضهم : دارست فيزدادوا كفرا ، وتنبيه لبعضهم فيزدادوا إيمانا ، ونحو : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [البقرة : ٢٦].
وأبو علي جعلها في بعض القراءات لام الصّيرورة ، وفي بعضها لام العلّة ؛ فقال : واللام في «ليقولوا» في قراءة ابن عامر ، ومن وافقه بمعنى : لئلّا يقولوا ؛ أي : صرّفت الآيات ، وأحكمت لئلا يقولوا : هذه أساطير الأوّلين قديمة قد بليت وتكرّرت على الأسماع ، واللام على سائر القراءات لام الصّيرورة.
قال شهاب الدين (٦) : قراءة ابن عامر درست بوزن أكلت وسرقت فعلا ماضيا مسندا لضمير الآيات ، وسيأتي تحقيق القراءات في هذه الكلمة متواترها وشاذّها.
قال أبو حيّان (٧) : «وما أجازه من إضمار «لا» بعد اللام المضمر بعدها «أن» هو مذهب لبعض الكوفيين ، كما أضمروها بعد «أن» المظهرة في (أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ولا يجيز البصريّون إضمار «لا» إلا في القسم على ما تبيّن فيه».
ثم هذه «اللام» لا بد لها من متعلّق ، فقدّره الزمخشري وغيره متأخّرا ، قال الزمخشري (٨) : «وليقولوا» جوابه محذوف ، تقديره : وليقولوا درست تصرّفها.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٤٩.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٦.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٣١.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٦.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٠.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٠١.
(٨) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٥.