حفظتها قال الواحدي : وهذا القول قريب مما قال الأصمعيّ ، بل هو نفسه لأن المعنى يعود إلى التّذليل والتّليين.
وقرىء هذا الحرف في الشّاذّ عشر قراءات أخر فاجتمع فيه ثلاث عشرة قراءة ؛ فقرأ ابن عباس بخلاف عنه ، وزيد بن علي ، والحسن البصري ، وقتادة «درست» فعلا ماضيا مبنيا للمفعول مسندا لضمير الإناث ، وفسّرها ابن جنّي والزمخشري بمعنيين في أحدهما إشكال.
قال أبو الفتح (١) : «يحتمل أن يراد عفت أو بليت».
وقال أبو القاسم : «بمعنى قرئت أو عفيت».
قال أبو حيّان (٢) : «أما معنى قرئت وبليت فظاهر لأن درس بمعنى كرّر القراءة متعدّ ، وأما «درس» بمعنى بلي وانمحى فلا أحفظه متعديا ، ولا وجدنا فيمن وقفنا على شعره [من العرب] إلا لازما».
قال شهاب الدين (٣) : لا يحتاج هذا إلى استقراء ، فإن معناه لا يحتمل أن يكون متعديا ؛ إذ حدثه لا يتعدّى فاعله ، فهو ك «قام» و «قعد» ، فكما أنا لا نحتاج في معرفة قصور «قام» و «قعد» إلى استقراء ، بل نعرفه بالمعنى ، فكذا هذا.
وقرىء (٤) «درّست» فعلا ماضيا مشدّدا مبنيا للفاعل المخاطب ، فيحتمل أن يكون للتكثير ، أي : درّست الكتب الكثيرة ك «ذبّحت الغنم» ، و «قطّعت الأثواب» وأن تكون للتّعدية ، والمفعولان محذوفان ، أي : درّست غيرك الكتاب ، وليس بظاهر ؛ إذ التفسير على خلافه.
وقرىء درّست كالذي قبله إلا أنه مبنيّ للمفعول ، أي : درّسك غيرك الكتب ، فالتضعيف للتعدية لا غير.
وقرىء «دورست» مسندا لتاء المخاطب من «دارس» ك «قاتل» إلا أنه بني للمفعول ، فقلبت ألفه الزّائدة واوا ، والمعنى : دارسك غيرك.
وقرىء (٥) «دارست» بتاء ساكنة للتأنيث لحقت آخر الفعل ، وفي فاعله احتمالان :
أحدهما : أنه ضمير الجماعة أضمرت ، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة السياق عليها أي : دارستك الجماعة يشيرون لأبي فكيهة ، وسلمان ، وقد تقدّم ذلك في قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو رحمهماالله تعالى.
والثاني : ضمير الإناث على سبيل المبالغة ، أي : إن الآيات نفسها دارستك ، وإن كان المراد أهلها.
__________________
(١) ينظر : المحتسب ١ / ٢٢٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٠٠.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥١.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥١.