قال أبو جعفر في معانيه : وقيل في الكلام حذف ، والمعنى : وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ، فحذف هذا لعلم السّامع ، وقدّره غيره : «ما يشعركم بانتفاء الإيمان ، أو وقوعه».
الخامس : أن «لا» غير مزيدة ، وليس في الكلام حذف ، بل المعنى : «وما يدريكم انتفاء إيمانهم» ويكون هذا جوابا لمن حكم عليهم بالكفر ويئس من إيمانهم.
وقال الزّمخشري (١) : «وما يشعركم : وما يدريكم أنها ، أي : أن الآيات التي يقترحونها» «إذا جاءت لا يؤمنون بها» يعني : «أنا أعلم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون بها ، وأنتم لا تدرون بذلك». وذلك أنّ المؤمنين كانوا حريصين على إيمانهم ، وطامعين فيه إذا جاءت تلك الآية ، ويتمنّون مجيئها ، فقال ـ عزوجل ـ : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) على معنى : أنكم لا تدرون ما سبق علمي بهم ، أنهم لا يؤمنون ؛ ألا ترى إلى قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام : ١١٠] انتهى.
قال شهاب الدّين (٢) : بسط قوله إنّهم كانوا يطمعون في إيمانهم ، ما جاء في التّفسير : أنّ المشركين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنزل علينا الآية الّتي قال الله فيها : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] ونحن والله نؤمن ، فأنزل الله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ) إلى آخرها وهذا الوجه : هو اختيار أبي حيّان (٣) ، فإنّه قال : «ولا يحتاج الكلام إلى زيادة «لا» ولا إلى هذا الإضمار ، يعني حذف المعطوف ، ولا إلى «أنّ» بمعنى : لعلّ ، وهذا كلّه خروج عن الظّاهر لغير ضرورة ، بل حمله على الظّاهر أولى ، وهو واضح سائغ ، أي : وما يشعركم ويدريكم بمعرفة انتفاء إيمانهم ، لا سبيل لكم إلى الشّعور بها».
السادس : أن «ما» حرف نفي ، يعني : أنه نفى شعورهم بذلك ، وعلى هذا فيطلب ل «يشعركم» فاعل.
فقيل : هو ضمير الله ـ تعالى ـ أضمر للدّلالة عليه ، وفيه تكلّف بعيد ، أي : «وما يشعركم الله أنّها إذا جاءت الآيات المقترحة لا يؤمنون». وقد تقدّم في البقرة كيفيّة قراءة أبي عمرو ل «يشعركم» ، و (يَنْصُرْكُمُ) [آل عمران : ١٦٠] ، ونحوهما عند قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) [البقرة : ٦٧] ، وحاصلها ثلاثة أوجه : الضّمّ الخالص ، والاختلاس ، والسّكون المحض.
وقرأ الجمهور (٤) : «لا يؤمنون» بياء الغيبة ، وابن عامر ، وحمزة بتاء الخطاب.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٧.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٦.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٠٤.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٧ إعراب القراءات السبع ١ / ١٦٧ السبعة ٢٦٥ ، النشر ٢ / ٢٦١ الحجة لابن خالويه (١٤٧) الوسيط ٢ / ٣١١ الحجة لأبي زرعة (٢٦٧) إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٦.