يدريكم أيّها المؤمنون ، أنّ الآية الّتي تقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون» يعني : أنا أعلم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون بها» ثم ساق كلام الزّمخشري بعينه الّذي قدّمت ذكره عنه في الوجه الخامس قال : «ويبعد جدا أن يكون الخطاب في (وَما يُشْعِرُكُمْ) للكفّار».
قال شهاب الدّين (١) : إنّما استبعده ؛ لأنّه لم ير في «أنّ» هذه أنّها بمعنى : «لعل» كما حكيته عنه.
وقد جعل أبو حيّان في مجموع (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) بالنّسبة إلى كسر الهمزة وفتحها ، والخطاب والغيبة أربع قراءات ، قال : وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والعليمي ، والأعشى عن أبي بكر.
وقال ابن عطيّة (٢) : ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم في رواية داود الأودي (٣) : إنّها بكسر الهمزة ، وقرأ باقي السّبعة : بفتحها ، وقرأ ابن عامر وحمزة : «لا تؤمنون» بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة ؛ فترتب أربع قراءات : الأولى : كسر الهمزة والياء ، وهي قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، وأبي بكر بخلاف عنه في كسر الهمزة ثم قال : القراءة الثّانية : كسر الهمزة والتّاء وهي رواية العليمي والأعشى عن أبي بكر عن عاصم ، والمناسب : أن يكون الخطاب للكفّار في هذه القراءة ، وكأنّه قيل : «وما يدريكم أيّها الكفّار وما يكون منكم»؟ ثم أخبرهم على جهة الجزم ، أنّهم لا يؤمنون على تقدير مجيئها ، ويبعد جدا أن يكون الخطاب في : (وَما يُشْعِرُكُمْ) للمؤمنين ، وفي «تؤمنون» للكفّار ، ثم ذكر القراءة الثّالثة ، والرّابعة ، ووجّههما بنحو ما نقلته عنه النّاس ، وفي إثباته القراءة الثّانية نظر لا يخفى ؛ وذلك أنّه لما حكى قراءة الخطاب في «تؤمنون» لم يحكها إلا عن حمزة ، وابن عامر فقط ، ولم يدخل معهما أبو بكر لا من طريق العليمي ، والأعشى ولا من طريق غيرهما ، والفرض : أن حمزة وابن عامر يفتحان همزة «أنّها» وأبو بكر يكسرها ويفتحها ولكنّه لا يقرأ : «يؤمنون» إلّا بياء الغيبة ، فمن أين تجيء لنا قراءة بكسر الهمزة ، والخطاب؟ وإنما أتيت بكلامه برمّته ؛ ليعرف المأخذ عليه ثم إني جوّزت أن تكون هذه رواية رواها ، فكشفت كتابه في القراءات ، وكان قد أفرد فيه فصلا انفرد به العليمي في روايته ، فلم يذكر أنه قرأ : «تؤمنون» بالخطاب ألبتّة ، ثم كشفت كتبا في القراءات عديدة ، فلم أرهم ذكروا ذلك ، فعرفت أنّه لما رأى للهمزة حالتين ، ولحرف المضارعة في «يؤمنون» حالتين ، ضرب اثنين في اثنين فجاء من ذلك أربع قراءات ، ولكن إحداها مهملة ، وقوله : (لا يُؤْمِنُونَ) متعلّقه محذوف ؛ للعلم به ، أي : «لا يؤمنون بها».
قوله : (وَنُقَلِّبُ) في هذه الجملة وجهان :
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٧.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٣٣.
(٣) في الأصل : الإيادي.