وما يفترون» ثم قال لهم على سبيل التّهدي د «ولتصغى إليه أفئدتهم ، (وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ).
الوجه الثاني : قال الكعبي (١) إنّ هذه اللّام لام العاقبة ، أي : ستئول عاقبة أمرهم إلى هذه الأحوال.
قال القاضي (٢) : ويبعد أن يقال : هذه العاقبة تحصل في الآخرة ؛ لأن الإلجاء حاصل في الآخرة.
قال : فلا يجوز أن تميل قلوب الكفّار إلى قبول المذهب الباطل ، ولا أن يرضوه ، ولا أن يقترفوا الذّنوب ، بل يجب أن تحمل على أنّ عاقبة أمرهم في الدّنيا تئول إلى أن يقبلوا الأباطيل ، ويرضوا بها ، ويعملوا بها.
الوجه الثالث : وهو الذي اختاره (٣) أبو مسلم ، قال : اللّام في قوله : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ) متعلّق بقوله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) والتّقدير : أن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول ليغرّوا بذلك ، (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا) الذّنوب ، ويكون المراد أنّ مقصود الشّياطين من ذلك الإيحاء : هو مجموع هذه المعاني.
والجواب عمّا ذكره الجبّائي من وجوه ، ذكرها القاضي :
أحدها : أن الواو في قوله : «ولتصغى» تقتضي تعلّقه بما قبله ، فحمله على الابتداء بعيد.
وثانيها : أن اللّام في قوله : «ولتصغى» لام كي ، فيبعد أن يقال إنّه لام الأمر ، ويقرب ذلك من أن يكون تحريفا لكلام الله ـ تعالى ـ ، وأنه لا يجوز ، وأمّا قول الكعبي : بأنّها لام العاقبة ، فضعيف ؛ لأنهم أجمعوا على أن هذا مجاز ، وحمله على «كي» حقيقة أولى ، وأمّا قول أبي مسلم ، فهو أحسنها ، إلّا أن قوله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) يقتضي أن يكون الغرض من ذلك الايحاء : هو التّغرير ، وإذا عطّفنا عليه قوله : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ) فهذا أيضا عين التغرير ، لا معنى التغرير ؛ لأنه يستميل إلى ما يكون باطنه قبيحا ، وظاهره حسنا.
قوله : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ) عين هذه الاستمالة ، فلو عطفنا عليه ، لزم أن يكون المعطوف عين المعطوف عليه ، وأنّه لا يجوز ، أمّا إذا قلنا : تقدير الكلام : وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّا من شأنه أن يوحي زخرف القول ؛ لأجل التّغرير ، وإنما جعلنا مثل هذا الشّخص عدوّا للنّبي ؛ لتصغى إليه أفئدة الكفّار ، فيبعدوا بذلك السّبب عن قبول دعوة ذلك النّبيّ ، وحينئذ لا يلزم منه عطف الشّيء على نفسه ، فما ذكرناه أولى.
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٢٩.