ما في يونس وغافر ، دون هذه السّورة ، والباقون : بالجمع في المواضع الثّلاثة (١).
قال أبو حيّان (٢) : «قرأ الكوفيّون هنا وفي يونس في الموضعين وفي المؤمن : «كلمة» بالإفراد ، ونافع جميع ذلك «كلمات» بالجمع ، تابعه أبو عمرو ، وابن كثير هنا».
قال شهاب الدّين (٣) : كيف نسي ابن عامر؟ لا يقال : إنّه قد أسقطه النّاسخ وكان الأصل «ونافع وابن عامر» ؛ لأنّه قال : «تابعه» ولو كان كذلك ، لقال : «تابعهما».
ووجه الإفراد : إرادة الجنس ، وهو نظير : رسالته ورسالاته.
وقولهم : قال زهير في كلمته ، أي : قصيدته ، وقال قسّ في كلمته ، أي : خطبته ، فكذا مجموع القرآن العظيم ، وقراءة الجمع ظاهرة ؛ لأن كلماته ـ تعالى ـ متبوعة بالنّسبة إلى الأمر ، والنّهي ، والوعد ، والوعيد ، وأراد بالكلمات : أمره ونهيه ووعده ووعيده ، في الأمر والنّهي.
وقال قتادة ، ومقاتل : صدقا فيما وعد عدلا فيما حكم (٤) ، وهذا الكلام كما يدل على أن الخلف في وعد الله محال ؛ فيدلّ أيضا : على أنّ الخلف في وعيده محال ، بخلاف ما قاله الواحديّ في تفسير قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) [النساء : ٩٣] إن الخلف في وعيد الله جائز ؛ لأن وعد الله ووعيده كلمة الله ، فيجب كونها موصوفة بالصّدق ؛ لأن الكذب نقص ، والنّقص على الله محال ، ولا يجوز إثبات أنّ الكذب على الله محال بالدّلائل السّمعية ؛ لأن [صحّة الدّلائل السّمعية موقوفة على أن الكذب على الله محال ، فلو أثبتنا امتناع أن الكذب على الله محال](٥) لزم الدّور ، وهو باطل ، وأجمعوا على الجمع في قوله : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) [الأنعام : ٣٤].
قوله : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) يحتمل أن لا يكون لها محلّ من الإعراب ؛ لأنّها مستأنفة ، وأن تكون جملة حاليّة من فاعل «تمّت».
فإن قلت : فأين الرّابط بين ذي الحال ، والحال؟
فالجواب أنّ الرّبط حصل بالظّاهر ، والأصل : لا مبدّل لها ، وإنّما أبرزت ظاهرة ؛ تعظيما لها ولإضافتها إلى لفظ الجلالة الشّريفة.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون حالا من «ربّك» ؛ لئلا يفصل بين الحال
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٦٤ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٨. إعراب القراءات ١ / ١٦٧ ـ ١٦٨.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢١٢.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٦٥.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣١٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٥) سقط في أ.