قوله : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) في الاستثناء وجهان :
أحدهما : أنّه منقطع ، قاله ابن عطيّة ، والحوفي.
والثاني : أنه [استثناء](١) متّصل.
قال أبو البقاء (٢) : «ما» في موضع نصب على الاستثناء من الجنس من طريق المعنى ؛ لأنه وبّخهم بترك الأكل ممّا سمّي عليه ، وذلك يتضمّن الإباحة مطلقا.
قال شهاب الدّين (٣) : الأوّل أوضح والاتّصال قلق المعنى ، ثم قال : «وقوله : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) أي : في حال الاختيار ، وذلك حلال حال الاضطرار».
قوله : (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ) قرأ الكوفيّون (٤) بضمّ الياء ، وكذا الّتي في يونس : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا) [الآية : ٨٨] والباقون : بالفتح ، وسيأتي لذلك نظائر في إبراهيم وغيرها ، والقراءتان واضحتان ؛ فإنه يقال : ضلّ في نفسه ، وأضلّ غيره ، فالمفعول محذوف على قراءة الكوفيين ، وهي أبلغ في الذّمّ ، فإنها تتضّمن قبح فعلهم ، حيث ضلوا في أنفسهم ، وأضلّوا غيرهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [المائدة : ٧٧].
قيل المراد به : عمرو بن لحيّ فمن دونه من المشركين الّذين اتخذوا البحائر والسّوائب وقراءة الفتح لا تحوج إلى حذف ، فرجّحها بعضهم بهذا وأيضا : فإنهم أجمعوا على الفتح في «ص» عند قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [٢٦].
وقوله : «بأهوائهم» متعلّق ب «يضلّون» والباء سببيّة ، أي : بسبب اتّباعهم أهواءهم ، وشهواتهم.
وقوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلّق بمحذوف ، لأنّه حال ، أي : يضلّون مصاحبين للجهل ، أي : ملتبسين بغير علم.
فصل في المراد بالآية
قيل : المراد : عمرو بن لحيّ كما تقدّم ؛ لأنّه أول من غير دين إسماعيل.
وقال الزّجّاج (٥) : المراد منه الّذين يحلّلون الميتة ، ويناظرونكم في إحلالها ، ويحتجون عليها بقولهم لما أحلّ ما تذبحونه أنتم ، فبأن يحلّ ما يذبحه الله أولى ، وكذلك كل ما يضلّون فيه من عبادة الأوثان ، والطّعن في نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم وإنما يتّبعون فيه الهوى
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٦٨.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٦٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٣٩.
(٥) ينظر : معاني القرآن ١٣ / ١٣٦.