«جعلنا مجرميها أكابر» ولا يجوز أن تكون الأكابر مضافة ؛ لأنه لا يتمّ المعنى ، ويحتاج إلى إضمار المفعول الثاني للجعل ؛ لأنك إذا قلت : «جعلت زيدا» وسكتّ لم يفد الكلام حتى تقول : رئيسا أو دليلا ، أو ما أشبه ذلك ، ولأنّك إذا أضفت الأكابر ، فقد أضفت النعت إلى المنعوت ؛ وذلك لا يجوز عند البصريّين».
قال شهاب الدّين (١) : هذان الوجهان اللذان ردّ بهما الواحديّ ليسا بشيء.
أمّا الأول فلا نسلم أنا نضمر المفعول الثاني ، وأنه يصير الكلام غير مفيد ، وأمّا ما أورده من الأمثلة ، فليس مطابقا ؛ لأنّا نقول : إنّ المفعول الثّاني ـ هنا ـ مذكور مصرّح به ، وهو الجارّ والمجرور السابق.
وأما الثاني : فلا نسلّم أنه من باب إضافة الصّفة لموصوفها ؛ لأن المجرمين أكابر وأصاغر ، فأضاف للبيان لا لقصد الوصف.
الرابع : أنّ المفعول الثّاني محذوف ، قالوا : وتقديره : «جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها فسّاقا ليمكروا» وهذا ليس بشيء ؛ لأنه لا يحذف شيء إلّا لدليل ، والدليل على ما ذكروه غير واضح.
وقال ابن عطيّة (٢) : «ويقال أكابرة كما يقال أحمر وأحامرة» ؛ قال الشاعر : [الكامل]
٢٣٠٣ ـ إنّ الأحامرة الثّلاثة أتلفت |
|
ما لي وكنت بهنّ قدما مولعا (٣) |
قال أبو حيان (٤) : «ولا أعلم أحدا أجاز في جمع أفضل أفاضلة ، بل نصّ النحويون على أن: أفعل التّفضيل يجمع للمذكّر على الأفضلين ، أو على الأفاضل».
قال شهاب الدين (٥) : وهذه التاء يذكرها النحويون أنها تكون دالّة على النسب في مثل هذه البنية ، قالوا : الأزارقة ، والأشاعثة ؛ في الأزرق ورهطه ، والأشعث وبنيه ، وليس بقياس ، وليس هذا من ذلك في شيء.
والجمهور على «أكابر» جمعا.
وقرأ (٦) ابن مسلم : «أكبر مجرميها» بالإفراد ، وهو جائز ، وذلك أنّ أفعل التفضيل إذا أضيفت لمعرفة وأريد بها غير الإفراد ، والتذكير ؛ جاز أن يطابق ، كالقراءة المشهورة
__________________
(١) المحرر الوجيز ٢ / ٣٤١.
(٢) البيت للأعشى وهو في المقرب (٢ / ٢٨) ، الطبري ٥ / ٣٣٤ ، اللسان (حمر) ، الدر المصون ٣ / ١٧٢ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٣٤١ ، والبحر المحيط ٤ / ١٧.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢١٧.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٧٢.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٧٢ ، البحر المحيط ٤ / ٢١٧.
(٦) أخرجه الترمذي (١١٦٢) وأحمد (٢ / ٢٥٠) وأبو داود (٤٦٨٢) والحاكم (١ / ٣) وابن حبان (٤١٦٤ ـ الإحسان) من حديث أبي هريرة بلفظ : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خيارهم لنسائهم.