بها منك ؛ لأني أكبر منك سنّا ، وأكثر منك مالا ، وولدا ؛ فنزلت الآية الكريمة.
وقال الضحاك : أراد كلّ واحد منهم أن يخصّ بالوحي ، والرسالة ؛ كما أخبر تعالى عنهم : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً)(١) [المدثر : ٥٢] فظاهر هذه الآية الكريمة التي نحن في تفسيرها يدلّ على ذلك أيضا ، وهذا يدلّ على أنّ جماعة منهم كانوا يقولون هذا الكلام.
وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل ؛ وذلك أنّه قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف ؛ حتّى إذا صرنا كفرسي رهان ، قالوا منّا نبيّ يوحى إليه ، والله لن نؤمن به ، ولن نتّبعه أبدا ؛ إلّا أن يأتينا وحي ، كما يأتيه ؛ فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ الآية (٢).
وقوله : (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ).
فيه قولان :
أشهرهما : أن القوم أرادوا أن تحصل لهم النبوة ، والرّسالة ؛ كما حصلت لمحمّد صلىاللهعليهوسلم وأن يكونوا متبوعين لا تابعين.
والقول الثاني : نقل عن الحسن ، وابن عبّاس أن المعنى : وإذا جاءتهم آية من القرآن تأمرهم باتباع النبي صلىاللهعليهوسلم قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً.) ..» إلى قوله : (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣] من الله ـ عزوجل ـ إلى أبي جهل ، وإلى فلان وفلان ، كتابا على حدة (٣) ؛ وعلى هذا فالتقدير ما طلبوا النبوة وإنّما طلبوا أن يأتيهم بآيات قاهرة مثل معجزات الأنبياء المتقدمين ؛ كي تدل على صحّة نبوّة محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ.
قال المحقّقون (٤) : والأوّل أقوى لأنّ قوله تبارك وتعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) لا يليق إلّا بالقول الأوّل.
وقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) فيه تنبيه على أنّ أقلّ ما لا بدّ منه في حصول النّبوة ، والرسالة ؛ البراءة عن المكر ، والخديعة ، والغدر ، والغلّ ، والحسد ، وقولهم (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) عين المكر ، والغل والحسد ؛ فكيف تحصل النبوة ، والرسالة مع هذه الصفات الذّميمة؟.
قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).
في «حيث» هذه وجهان :
أحدهما : أنّها خرجت عن الظرفيّة ، وصارت مفعولا بها على السّعة ، وليس العامل
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : تفسير الرازي (١٣ / ١٤٣).
(٣) ينظر : تفسير الرازي (١٣ / ١٤٤).
(٤) ينظر : المصدر السابق.