ومن قرأ (١) «حرجا» ـ يعني بكسر الرّاء ـ فهو مثل «دنف وفرق بكسر العين».
وقيل : «الحرج» بالفتح جمع حرجة ؛ كقصبة وقصب ، والمكسور صفة ؛ كدنف وأصل المادّة من التّشابك وشدّة التّضايق ، فإنّ الحرجة غيضة من شجر السّلم ملتفة لا يقدر أحد أن يصل إليها.
قال العجّاج : [الرجز]
٢٣٠٨ ـ عاين حيّا كالحراج نعمه (٢)
الحراج : جمع حرج ، وحرج جمع حرجة ، ومن غريب ما يحكى : أن ابن عبّاس قرأ هذه الآية ، فقال : هل هنا أحد من بني بكر؟ فقال رجل : نعم ، قال : ما الحرجة فيكم؟ قال : الوادي الكثير الشّجر المستمسك ؛ الذي لا طريق فيه. فقال ابن عبّاس : «فهكذا قلب الكافر» هذه رواية عبيد بن عمير (٣). وقد حكى أبو الصّلت الثّقفي هذه الحكاية بأطول من هذا ، عن عمر بن الخطّاب ، فقال : قرأ عمر بن الخطّاب هذه الآية فقال : «ابغوني رجلا من بني كنانة ، واجعلوه راعيا» فأتوه به ، فقال له عمر : «يا فتى ما الحرجة فيكم»؟ قال : «الحرجة فينا الشّجرة تحدق بها الأشجار فلا تصل إليها راعية ولا وحشيّة». فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : «وكذلك قلب الكافر لا يصل إليه شيء من الخير» (٤).
وبعضهم يحكي هذه الحكاية عن عمر ـ رضي الله عنه ـ كالمنتصر لمن قرأ بالكسر قال : قرأها بعض أصحاب عمر له بالكسر ، فقال : «ابغوني رجلا من كنانة راعيا ، وليكن من بني مدلج». فأتوه به ، فقال : «يا فتى ، ما الحرجة تكون عندكم»؟ فقال : «شجرة تكون بين الأشجار لا يصل إليها راعية ولا وحشيّة». فقال : كذلك قلب الكافر ، لا يصل إليه شيء [من الخير](٥).
قال أبو حيّان (٦) : «وهذا تنبيه ـ والله أعلم ـ على اشتقاق الفعل من اسم العين «كاستنوق واستحجر».
قال شهاب الدين (٧) : ليس هذا من باب استنوق واستحجر في شيء ؛ لأن هذا معنى
__________________
(١) ينظر : الحجة لأبي زرعة ٢٧١ السبعة ٢٦٨ النشر ٢ / ٢٦٢ الحجة لابن خالويه ١٤٩ التبيان ١ / ٥٣٧ معاني القرآن للزجاج ٢ / ٣١٩.
(٢) ينظر : ديوانه ٤٣٤ ، اللسان (حرج) ، المنصف ٣ / ١٤ ، الدر المصون ٣ / ١٧٥ ، وبعده : يكون أقصى شلّه محرنجمه.
(٣) ذكره القرطبي (٧ / ٥٤).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٣٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٨٤) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ عن أبي الصلت الثقفي.
(٥) سقط في ب.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٢.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٧٦.