قلب المؤمن زيادة يعرفها كلّ أحد ، ومعلوم أن الأمر ليس كذلك ، بل الأمر في حزن الكافر والمؤمن على السّويّة ، بل كان الحزن والبلاء في حقّ المؤمن أكثر ، قال ـ تبارك وتعالى ـ : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) [الزخرف : ٣٣] ، وقال عليه الصلاة والسلام : «خصّ البلاء بالأنبياء ثمّ بالأمثل فالأمثل» (١).
والجواب عن الثّاني : أنه مدفوع ؛ لأنه يرجع حاصله إلى إيضاح الواضحات ؛ لأن كل أحد يعلم بالضّرورة أن كلّ من هداه الله إلى الجنّة بسبب الإيمان يفرح بسبب تلك الهداية ، وينشرح صدره للإيمان مزيد انشراح في ذلك الوقت ، وكذلك القول في قوله : المراد : ومن يضلّه عن طريق الجنّة بأنه يضيق قلبه في ذلك الوقت ، فحصول هذا المعنى معلوم بالضّرورة ، وحمل الآية الكريمة عليه إخراج للآية عن الفائدة.
والجواب عن التّأويل الثالث : فهو يقتضي تفكيك نظم الآية ؛ لأن الآية الكريمة تقتضي أن يحصل انشراح الصّدر من قبل الله ـ تبارك وتعالى ـ أولا ، ثم يترتّب عليه حصول الهداية والإيمان ، وأنتم عكستم القضيّة ، فقلتم : العبد يجعل نفسه أولا منشرح الصّدر ، ثم إن الله ـ تبارك وتعالى ـ أوّلا بعد ذلك يهديه ، بمعنى أنه يخصّه بمزيد الألطاف الدّاعية له إلى الثّبات على الإيمان ، والدّلائل اللّفظية إنما يمكن التّمسّك [بها إذا أبقينا ما فيها من التركيبات ، والترتيبات ، فأمّا إذا أبطلناها وأزلناها ، لم يمكن التّمسّك](٢) بشيء منها أصلا ، وفتح هذا الباب يوجب ألّا يمكن التّمسّك بشيء من الآيات ، ولكن طعن في القرآن العظيم ، وإخراج له عن كونه حجّة.
قوله : «كأنّما» «ما» هذه مهيّئة لدخول كأنّ على الجمل الفعلية ؛ كهي في (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ) [آل عمران : ١٨٥].
قوله : «يصّعّد» وقرأ (٣) ابن كثير : «يصعد» ساكن الصّاد ، مخفّف العين ، مضارع «صعد» أي : ارتفع ، وأبو بكر عن عاصم : «يصّاعد» بتشديد الصّاد بعدها ألف ، وأصلها يتصاعد ، أي : «يتعاطى الصّعود ويتكلّفه» فأدغم التّاء في الصّاد تخفيفا ، والباقون : «يصّعّد» بتشديد الصّاد والعين دون ألف بينهما ، من «يصّعّد» أي : يفعل الصّعود ويكلّفه ، والأصل : «يتصعّد» فأدغم كما في قراءة شعبة وهذه الجملة التشبيهيّة يحتمل أن تكون مستأنفة ، شبّه فيها حال من جعل الله صدره ضيّقا حرجا ؛ بأنه بمنزلة من يطلب الصّعود إلى السّماء المظللة أو إلى مكان مرتفع [وعر](٤) كالعقبة الكؤود. والمعنى : أنه يسبق عليه الإيمان كما يسبق عليه صعود السّماء ، وجوّزوا فيها وجهين آخرين :
__________________
(١) تقدم.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : السبعة ٢٦٨ النشر ٢ / ٢٦٢ التبيان ١ / ٥٣٨ ، الحجة لابن خالويه ١٤٩.
(٤) سقط في ب.