[أي : يشرح صدره للإسلام](١) في ذلك الوقت الّذي يهديه فيه إلى الجنّة ؛ لأنه لما رأى أنّ بسبب الإيمان وجد هذه الدّرجة العالية ، يزداد رغبته في الإيمان ، ويحصل مزيد انشراح [في صدره](٢) ، ومن يرد أن يضلّه يوم القيامة عن طريق الجنّة ، ففي ذلك الوقت يضيق صدره ؛ بسبب الحزن الّذي ناله عن الحرمان من الجنّة والدّخول في النّار.
التأويل الثالث : أن في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : من شرح صدر نفسه بالإيمان ، فقد أراد الله أن يهديه ، أي : يخصه بالألطاف الدّاعية إلى الثّبات على الإيمان ، هذا مجموع كلامهم.
والجواب عن قولهم أولا : أنه لم يقل في هذه الآية أنه يضلّه ، بل قال : إنّه لو أراد أن يضلّه ، لفعل كذا وكذا ، فنقول : إن قوله في آخر الآية الكريمة : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) تصريح بأنّه يفعل بهم ذلك الضّلال ؛ لأن حرف «الكاف» في قوله : «كذلك» يفيد التّشبيه ، والتّقدير : وكما جعلنا ذلك الضّيق والحرج في صدره ، فكذلك يجعل الله الرّجس على قلوب الّذين لا يؤمنون (٣).
والجواب عن الثّاني : وهو أن قوله : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) ليس فيه بيان أن يضلّه عن الدّين ، فنقول : إن قوله في آخر الآية : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) تصريح بأن المراد من قوله : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) هو أن يضلّه عن الدّين.
والجواب عن الثالث : وهو أنّه ـ تبارك وتعالى ـ إنّما يلقي الضّيق والحرج في صدورهم جزاء على كفرهم فنقول : لا نسلّم أن المراد ذلك ، بل المراد : كذلك يجعل الله الرّجس على قلوب الّذين قضى عليهم بأنهم لا يؤمنون ، وإذا جعلنا الآية على هذا الوجه ، سقط ما ذكروه.
والجواب عن قولهم : إنّ ظاهر الآية الكريمة يقتضي أن يكون ضيق الصّدر وحرجه شيئا متقدّما على الضّلال ، أو موجبا له ، فنقول : والأمر كذلك ؛ لأنه ـ تبارك وتعالى ـ إذا خلق في قلبه اعتقادا بأنّ الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوسلم يوجب الذّم في الدّنيا ، والعقوبة في الآخرة ، فهذا الاعتقاد يوجب اعراض النّفس عن قبول ذلك الإيمان ، وهذه الحالة شبيهة بالطّريق الضّيّق ؛ لأن الطّريق إذا كان ضيّقا ، لم يقدر الدّاخل أن يدخل فيه فذلك القلب إذا حصل فيه ذلك الاعتقاد ، امتنع دخول الإيمان فيه فلأجل حصول المشابهة من هذا الوجه ، جاز إطلاق لفظ الضيّق والحرج عليه.
وأما الجواب عن التّأويلات الثلاثة فنقول :
أما الأوّل : فإن حاصل ذلك الكلام يرجع إلى تفسير الضيق والحرج ، فلمّا كان المراد منه حصول الغمّ والحزن في قلب الكافر ، فذلك يوجب أن يكون ما يحصل في
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٤٧.