أن يضلّه» فلم قلتم : إن المراد : ومن يرد أن يضلله عن الإيمان.
وثالثها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ بيّن في آخر الآية الكريمة ، أنه إنّما يفعل هذا الفعل بهذا الكافر جزاء على كفره ، وأنّه ليس ذلك على سبيل الابتداء ، فقال : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
ورابعها : أنّ قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) يدلّ على تقدّم الضّيق والحرج على حصول الضّلال ، وأن لحصول ذلك المتقدّم أثر في حصول الضّلال ، وذلك باطل بالإجماع ، أما عندنا ، فلا نقول به وأمّا عندكم ؛ فلأن المقتضي لحصول الجهل والضّلال هو الله ـ تبارك وتعالى ـ يخلقه فيه بقدرته.
وأما المقام الثاني : فهو تفسير الآية الكريمة على ما يطابق مذهبنا ، وذلك من وجوه :
الأول : وهو اختيار الجبّائي (١) ، ونصره القاضي (٢) أن تقدير الآية الكريمة : فمن يرد الله أن يهديه إلى طريق الجنّة ، يشرح صدره للإسلام ، حتى يثبت عليه ولا يزول عنه ، وتفسير هذا الشّرح : هو أنّه ـ تعالى ـ يفعل به ألطافا تدعوه إلى البقاء على الإيمان والثّبات عليه ، وهذه الألطاف لا يمكن فعلها بالمؤمن ، إلّا بعد أن يصيّره مؤمنا حتّى يدعوه إلى البقاء على الإيمان والثبات عليه ، وإليه الإشارة بقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن : ١١] وبقوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] ، فإذا آمن العبد وأراد ثباته على الإيمان ، فحينئذ يشرح صدره ، أي : يفعل به الألطاف الّتي تقتضي ثباته على الإيمان ودوامه عليه ، وأمّا إذا كفر وعاند وأراد الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يضلّه عن طريق الجنّة ، فعند ذلك (٣) يلقي في صدره الضّيق والحرج ، ثم سأل الجبّائي نفسه ، فقال : كيف يصحّ ذلك ونجد الكفّار طيّبي النّفوس ، لا غمّ لهم ألبتّة ولا حزن (٤).
وأجاب عنه : بأنّه ـ تبارك وتعالى ـ لم يخبر بأنّه يفعل بهم ذلك في كلّ وقت ، فلا يمتنع كونهم في بعض الأوقات طيّبي القلوب ، وسأل القاضي نفسه على هذا الجواب سؤالا آخر ، فقال : فيجب أن تقطعوا في كلّ كافر بأنّه يجد في نفسه ذلك الضّيق في بعض الأوقات.
وأجاب عنه : بأنّه قال : وكذلك نقول ودفع ذلك لا يمكن خصوصا عند ورود أدلّة الله ـ تبارك وتعالى ـ ، وعند ظهور نصرة الله للمؤمنين ، وعند ظهور الذّلّة والصّغار فيهم.
التّأويل الثاني : أن المراد : فمن يرد الله أن يهديه إلى الجنّة ، فيشرح صدره للإسلام
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٤٦.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) في أ : فحينئذ.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١٤٦.