أن كان من هؤلاء الكفرة. علله ابن عبّاس ، و «ما» هنا بمعنى «من» التي للعقلاء ، وساغ وقوعها هنا ؛ لأن المراد بالمستثنى نوع وصنف ، و «ما» تقع على أنواع من يعقل ، وقد تقدّم تحقيق هذا في قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣].
ولكن قد استبعد هذا ؛ من حيث إن المستثنى مخالف للمستثنى منه في زمان الحكم عليهما ، ولا بدّ أن يشتركا في الزّمان ، لو قلت : «قام القوم إلّا زيدا» ، كان معناه [إلا زيدا فإنه لم يقم ، ولا يصحّ أن يكون المعنى : فإنه سيقوم في المستقبل ، ولو قلت : «سأضرب القوم إلا زيدا»](١) ، كان معناه : فإنّي لا أضربه في المستقبل ، ولا يصحّ أن يكون المعنى : فإني ضربته فيما مضى اللهم إلا أن يجعل استثناء منقطعا كما تقدّم تفسيره.
وذهب قوم : إلى أن المستثنى منه زمان ، ثم اختلف القائلون بذلك :
فمنهم من قال : ذلك الزّمان هو مدّة إقامتهم في البرزخ ، أي : «القبور».
وقيل : «هو المدّة التي بين حشرهم إلى دخولهم النّار». وهذا قول الطّبري (٢) قال : «وساغ ذلك من حيث إنّ العبارة بقوله : (النَّارُ مَثْواكُمْ) لا يخصّ بها مستقبل الزّمان دون غيره».
وقال الزجاج (٣) : «هو مجموع الزمانين ، أي : مدّة إقامتهم في القبور ، ومدّة حشرهم إلى دخولهم النّار».
وقال الزمخشري (٤) : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، أي : يخلّدون في عذاب النّار الأبد كلّه إلا ما شاء الله إلا الأوقات الّتي ينقلون فيها من عذاب النّار إلى عذاب الزّمهرير ؛ فقد روي : أنهم يدخلون واديا فيه من الزّمهرير ما يقطع أوصالهم ، فيتعاوون ويطلبون الرّدّ إلى الجحيم».
وقال قوم : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) هم العصاة الّذين يدخلون النّار من أهل التّوحيد ، ووقعت «ما» عليهم ؛ لأنّهم نوع كأنه قيل : إلا النّوع الذي دخلها من العصاة ، فإنهم لا يخلّدون فيها ، والظاهر أن هذا استثناء حقيقة ؛ بل يجب أن يكون كذلك.
وزعم الزّمخشري (٥) : أنه يكون من باب قول الموتور الذي ظفر بواتره ، ولم يزل يحرّق عليه أنيابه ، وقد طلب أن ينفّس عن خناقه : «أهلكني الله إن نفّست عنك إلا إذا شئت» وقد علم أنه لا يشاء ذلك إلا التّشفّي منه بأقصى ما يقدر عليه من التّشديد والتّعنيف ، فيكون قوله : «إلّا إذا شئت» من أشدّ الوعيد مع تهكّم.
قال شهاب الدّين (٦) : ولا حاجة إلى ادّعاء ذلك مع ظهور معنى الاستثناء فيه ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : الطبري ٥ / ٣٤٣.
(٣) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٢١.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٥.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٥.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨٠.