وقال قتادة : إذا أصابهم القحط ، استعانوا بالله ووفّروا ما جعلوه لشركائهم (١).
وقال مقاتل : إن زكا ونما نصيب الآلهة ولم يزك نصيب الله ؛ تركوا نصيب الآلهة ، وإن زكا نصيب الله ولم يزك نصيب الآلهة ، أخذوا نصيب الله ـ تعالى ـ وقالوا : لا بدّ لآلهتنا من نفقة ، فأخذوا نصيب الله فأعطوه السّدنة ، فذلك قوله : «فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم» (٢) ، يعني : من نماء الحرث والأنعام ، فلا يصل إلى الله ـ تعالى ـ يعني : إلى المساكين ، وإنّما قال : إلى الله ؛ لأنهم كانوا يفرزونه لله ـ تعالى ـ ويسمونه نصيب الله ، وما كان لله فهو يصل إليهم.
قوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) قد تقدّم نظيره ، وقد أعربها الحوفي هنا ، فقال : «ما» بمعنى الّذي ، والتقدير : ساء الّذي يحكمون حكمهم ، فيكون «حكمهم» مبتدأ وما قبله الخبر ، وحذف لدلالة «يحكمون» عليه ويجوز أن تكون «ما» تمييزا ، على مذهب من يجيز ذلك في «بئسما» فتكون في موضع نصب ، التقدير : ساء حكما حكمهم ، ولا يكون «يحكمون» صفة ل «ما» لأن الغرض الإبهام ، ولكن في الكلام حذف يدلّ عليه «ما» والتقدير : ساء ما يحكمون فحذف «ما» الثانية.
قال شهاب الدّين (٣) : و «ما» هذه إن كانت موصولة ، فمذهب البصريّين أن حذف الموصول لا يجوز وقد عرف ذلك ، وإن كانت نكرة موصوفة ، ففيه نظر ؛ لأنه لم يعهد حذف «ما» نكرة موصوفة.
وقال ابن عطية (٤) : و «ما» في موضع رفع ؛ كأنه قال : ساء الذي يحكمون ولا يتّجه عندي أن تجري «ساء» هنا مجرى «نعم» و «بئس» ؛ لأن المفسّر هنا مضمر ، ولا بد من إظهاره باتّفاق من النّحاة وإنّما اتّجه أن يجري مجرى «بئس» في قوله : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) [الأعراف : ١٧٧] لأن المفسّر ظاهر في الكلام.
قال أبو حيّان (٥) : «وهذا كلام من لم ترسخ قدمه في العربيّة ، بل شذّ فيها شيئا يسيرا ؛ لأنها إذا جرت «ساء» مجرى «بئس» كان حكمها كحكمها سواء لا يختلف في شيء ألبتّة من فاعل ظاهر أو مضمر ، أو تمييز ولا خلاف في جواز حذف المخصوص بالمدح أو الذّمّ ، والتمييز بها لدلالة الكلام عليه».
فقوله : «لأن المفسّر هنا مضمر ، ولا بدّ من إظهاره باتّفاق» قوله ساقط ودعواه الاتّفاق على ذلك ـ مع أنّ الاتّفاق على خلافه ـ عجب عجاب.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٥٠).
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٦٨) عن مقاتل.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨٥.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٤٩.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٣١.