قال ابن عطيّة ـ رحمهالله (١) ـ : وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب ، وذلك أنّه أضاف الفعل إلى الفاعل ، وهو الشّركاء ، ثمّ فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، ورؤساء العربيّة لا يجيزون الفصل بالظّروف في مثل هذا إلا في شعر ؛ كقوله : [الوافر]
٢٣٢٤ ـ كما خطّ ـ الكتاب بكفّ يوما |
|
يهوديّ ... (٢) |
البيت فكيف بالمفعول في أفصح كلام؟ ولكن وجهها على ضعفها : أنّها وردت في بيت شاذّ أنشده أبو الحسن الأخفش ، فقال : [مجزوء الكامل]
٢٣٢٥ ـ فزججتها بمزجّة |
|
زجّ ـ القلوص ـ أبي مزاده (٣) |
وفي بيت الطّرمّاح ، وهو قوله : [الطويل]
٢٣٢٦ ـ يطفن بحوزيّ المراتع لم ترع |
|
بواديه من قرع ـ القسيّ ـ الكنائن (٤) |
وقال الزّمخشري (٥) ـ فأغلظ وأساء في عبارته ـ «وأما قراءة ابن عامر ـ فذكرها ـ فشيء لو كان في مكان الضرورة وهو الشّعر ، لكان سمجا مردودا كما سمج ورود : [مجزوء الكامل]
٢٣٢٧ ـ .......... |
|
زجّ ـ القلوص ـ أبي مزاده (٦) |
فكيف به في الكلام المنثور؟ وكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته؟ الذي حمله على ذلك : أن رأى في بعض المصاحف «شركائهم» مكتوبا بالياء ، ولو قرأ بجرّ «الأولاد» و «الشّركاء» ـ لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم ـ لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب».
قال شهاب الدين (٧) : «سيأتي بيان ما تمنّى أبو القاسم أن يقرأه ابن عامر ، وأنه قد قرأ به ، فكأنّ الزّمخشريّ لم يطّلع على ذلك ، فلهذا تمنّاه».
وهذه الأقوال التي ذكرتها جميعا لا ينبغي أن يلتفت إليها ؛ لأنها طعن في المتواتر ، وإن كانت صادرة عن أئمّة أكابر ، وأيضا فقد انتصر لها من يقابلهم وأورد من لسان العرب نظمه ونثره ما يشهد لصحّة هذه القراءة لغة.
قال أبو بكر بن الأنباريّ : «هذه قراءة صحيحة وإذا كانت العرب قد فصلت بين المتضايفين بالجملة في قولهم : «هو غلام ـ إن شاء الله ـ أخيك» يريدون : هو غلام أخيك ، فأن يفصل بالمفرد أسهل» انتهى.
وسمع الكسائي قول بعضهم : «إن الشّاة لتجترّ فتسمع صوت والله ربّها» ، أي :
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٠.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٠.
(٦) تقدم.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨٨.