يريد : بأي الأرضين تراهم حلّوا ، ففصل بقوله «تراهم» بين «أيّ» وبين الأرضين.
ومن الفصل أيضا الفصل بمفعول «ليس» معمولا للمصدر المضاف إلى فاعل ؛ كقول الشاعر : [البسيط]
٢٣٥٣ ـ تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها |
|
كما تضمّن ماء المزنة الرّصف (١) |
أي : تسقي ندى ريقتها المسواك ف «المسواك» مفعول به ناصبه «تسقي» فصل به بين «ندى» وبين «ريقتها» ، وإذ قد عرفت هذا ، فاعلم أنّ قراءة ابن عامر صحيحة ؛ من حيث اللغة كما هي صحيحة من حيث النّقل ، ولا التفات إلى قول من قال : إنه اعتمد في ذلك على رسم مصحف الشّام الذي أرسله عثمان بن عفّان ـ رضي الله عنه ـ ؛ لأنه لم يوجد فيه إلا كتابة «شركائهم» بالياء وهذا وإن كافيا في الدّلالة على جرّ «شركائهم» ، فليس فيه ما يدلّ على نصب «أولادهم» ؛ إذا المصحف مهمل من شكل ونقط ، فلم يبق له حجّة في نصب الأولاد إلّا النّقل المحض.
وقد نقل عن ابن عامر ؛ أنه قرأ بجرّ «الأولاد» كما سيأتي بيانه وتخريجه ، وأيضا فليس رسمها «شركائهم» بالياء مختصا بمصحف الشّام ، بل هي كذلك أيضا في مصحف أهل الحجاز.
قال أبو البرهسم : «في سورة الأنعام في إمام أهل الشّام وأهل الحجاز : «أولادهم شركائهم» بالياء ، وفي إمام أهل العراق «شركاؤهم» ولم يقرأ أهل الحجاز بالخفض في «شركائهم» ؛ لأن الرّسم سنّة متّبعة قد توافقها التّلاوة وقد لا توافق».
إلّا أن الشيخ أبا شامة قال : «ولم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين : فالمضموم عليه قراءة معظم القرّاء» ثم قال : «وأمّا «شركائهم» بالخفض ؛ فيحتمل قراءة ابن عامر» قال شهاب الدين (٢) : وسيأتي كلام أبي شامة هذا بتمامه في موضعه ، وإنما أخذت منه [بقدر](٣) الحاجة هنا.
فقوله : «إن كلّ قراءة تابعة لرسم مصحفها» تشكل بما ذكرنا لك من أنّ مصحف الحجازيّين بالياء ، [مع أنّهم لم يقرءوا بذلك.
وقد نقل أبو عمرو الدّاني أن : «شركائهم» بالياء](٤) ، إنّما هو في مصحف الشّام دون مصاحف الأمصار ؛ فقال : «في مصاحف أهل الشّا م «أولادهم شركائهم» بالياء ، وفي سائر المصاحف شركاؤهم بالواو».
__________________
(١) البيت لجرير ينظر : ديوانه ١ / ١١٧ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٧٤ شرح التصريح ٢ / ٥٨ ، الدرر ٥ / ٤٤ ، أوضح المسالك ٢ / ١٨٧ ، همع الهوامع ٢ / ٥٢ ، شرح الأشموني ٢ / ٣٢٨ ، الدر المصون ٣ / ١٩٢.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٣.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.