الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ٦٩] فالآية المتقدمة ذكر فيها خمسة أنواع : وهي الزّرع ، والنخل ، وجنّات من أعناب ، والزيتون والرّمّان ، وذكر في هذه الآية الكريمة [هذه الخمسة وقال :] (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) وهنا (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) وذكر في الآية المتقدمة : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) وذكر في هذه الآية : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) فأذن في الانتفاع بها ، وأمر بصرف جزء منها إلى الفقراء ، فالذي حصل به الامتياز بين الآيتين : أن هناك أمر بالاستدلال بها على الصّانع الحكيم وههنا أذن في الانتفاع بها ، وذلك تنبيه على أن الأمر بالاستدلال بها على الصّانع الحكيم مقدّم على الإذن في الانتفاع ؛ لأن الاستدلال على الصّانع يحصل به سعادة أبدية ، والانتفاع يحصل به سعادة جسمانيّة سريعة الانقضاء والأول أولى بالتّقديم.
وقال القرطبي (١) : ووجه اتّصال هذا بما قبله : أن الكفّار لما افتروا على الله الكذب ، وأشركوا معه وحلّلوا أو حرّموا ، دلّهم على وحدانيّته بأنه خالق الأشياء ، وأنه جعل هذه الأشياء أرزاقا لهم.
قوله : (أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) أي : خلقها ، يقال : نشأ الشّيء ينشأ نشأه ونشاءة ، إذا ظهر وارتفع ، والله ينشئه إنشاء ، أي : يظهره ويرفعه.
وقوله : «معروشات» يقال : عرشت الكرم أعرشه عرشا وعرّشته تعريشا إذا عطفت العيدان الّتي تشال عليها قضبان الكرم ، والواحد عرش ، والجمع عروش ، ويقال : عريش وجمعه عرش ، واعترش العنب العريش اعتراشا ، وفيه أقوال :
أحدها : قال الضّحّاك : إن المعروشات وغير المعروشات كلاهما الكرم (٢) ؛ فإن بعض الأعناب يعرّش وبعضها لا يعرّش ، بل يبقى على وجه الأرض منبسطا.
وثانيها : المعروشات : العنب الّتي يجعل لها عروش ، وغير المعروشات : كلّ ما ينبت منبسطا على وجه الأرض ؛ مثل القرع والبطّيخ (٣).
وثالثها : قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : المعروشات : ما يحتاج أن يتّخذ له عريش يحمل عليه ؛ مثل الكرم والبطّيخ والقرع وغيرها ، وغير المعروش : هو القائم على ساقه كالنّخل والزّرع(٤).
ورابعها : المعروشات : ما يحصل في البساتين والعمرانات مما يغرسه النّاس ، وغير المعروشات : مما أنبته الله ـ تبارك وتعالى ـ وجني في البراري والجبال.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٦٥.
(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٣.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٧٣) عن ابن عباس.