فإنه قال : و «أو» هنا بمعنى الواو ؛ لتفصيل مذاهبهم أو لاختلاف أماكنها ، وقد ذكرناه في قوله : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١٣٥].
وقال ابن عطيّة (١) ردّا على هذا القول ـ أعني كون «الحوايا» نسقا على شحومهما ـ : «وعلى هذا تدخل «الحوايا» في التّحريم ، وهذا قول لا يعضده لا اللّفظ ولا المعنى بل يدفعانه» ولم يبيّن وجه الدّفع فيهما.
الثالث : أن «الحوايا» في محلّ نصب عطفا على المستثنى وهو (ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) ؛ كأنه قيل : إلا ما حملت الظّهور أو الحوايا أو إلا ما اختلط ، نقله مكّي (٢) ، وأبو البقاء (٣) بدأ به ثم قال : «وقيل : هو معطوف على الشّحوم».
ونقل الواحدي عن الفراء (٤) ؛ أنّه قال : يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير حذف المضاف على أن يريد : أو شحوم الحوايا فيحذف الشّحوم ويكتفي بالحوايا ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] يريد أهلها ، وحكى ابن الأنباريّ عن أبي عبيد ؛ أنه قال : قلت للفرّاء : هو بمنزلة قول الشّاعر :
٢٣٧٥ ـ لا يسمع المرء فيها ما يؤنّسه |
|
باللّيل إلّا نئيم البوم والضّوعا (٥) |
فقال لي : نعم ، يذهب إلى أن «الضّوع» عطف على «النّئيم» ولم يعطف على «البوم» ؛ كما عطفت الحوايا على «ما» ولم تعطف على الظّهور.
قال شهاب الدّين (٦) : فمقتضى ما حكاه ابن الأنباريّ : أن تكون «الحوايا» عطفا على «ما» المستثناة ، وفي معنى ذلك قلق بيّن.
و «الحوايا» قيل : هي المباعر ، وقيل : المصارين والأمعاء ، وقيل : كل ما تحويه البطن فاجتمع واستدار ، وقيل : هي الدّوّارة الّتي في بطن الشّاة.
واختلف في مفرد «الحوايا» : فقيل : حاوية ك «ضاربة» ، وقيل : حويّة ك «طريفة» ، وقيل : حاوياء ك «قاصعاء».
وجوّز الفارسيّ أن يكون جمعا لكلّ واحد من الثلاثة ، يعني : أنه صالح لذلك ، وقال ابن الأعرابيّ : هي الحويّة والحاوية» ولم يذكر الحاوياء. وذكر ابن السّكّيت الثلاثة فقال : «يقال : «حاوية» و «حوايا» مثل «زاوية» و «زوايا» ، و «راوية» و «روايا» ، ومنهم من يقول : «حويّة» و «حوايا» ؛ مثل الحويّة التي توضع على ظهر البعير ويركب فوقها ، ومنهم من يقول لواحدتها : «حاوياء» وأنشد قول جرير : [البسيط]
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٨.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢٩٧.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.
(٤) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٦٣.
(٥) البيت للأعشى ينظر : ديوانه ١٥٣ ، والتهذيب ١٣ / ٨٩ (أنس) ، اللسان (أنس) الدر المصون ٣ / ٢٠٨.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٩.