على الكفر قدرة على الإيمان ، توقّف رجحان أحد الطّرفين على حصول الدّاعية المرجّحة.
فإن قلنا : إنه ـ تعالى ـ خلق تلك الدّاعية المرجّحة مع القدرة ، ومجموعهما للفعل ، فحيث لم يحصل الفعل ، علمنا أن تلك الدّاعية لم تحصل ، وإذا لم تحصل ، امتنع منه فعل الإيمان ، وإذا امتنع ذلك منه ، امتنع أن يريده الله منه ؛ لأن إرادة المحال محال ممتنع ، فثبت أن ظاهر القرآن العظيم دلّ على أنّه ما أراد الإيمان من الكافر ، والبرهان العقلي الذي قرّرناه يدل عليه أيضا ، فبطل قولهم من كلّ الوجوه (١).
فإن قالوا : نحمل هذه الآية على مشيئة الإلجاء.
فنقول : هذا التّأويل إنما يحسن المصير إليه ، لو ثبت بالبرهان العقليّ امتناع الحمل على [ظاهر هذا الكلام ، أمّا لو قام البرهان العقليّ على](٢) أن الحقّ ليس إلّا ما دلّ عليه هذا الظّاهر ، فكيف يصار إلى التّأويل؟ ثم نقول : التأويل باطل لوجوه :
الأول : أن هذا الكلام لا بدّ فيه من إضمار ، والتقدير : ولو شاء الله الهداية لهداكم ، وأنتم تقولون : التقدير : لو شاء الله الهداية على سبيل الإلجاء لهداكم ، فإضماركم أكثر ، فكان قولكم مرجوحا.
الثاني : أنه ـ تبارك وتعالى ـ يريد من الكافر الإيمان الاختياريّ ؛ والإيمان الحاصل بالإلجاء ، غير الإيمان الحاصل بالاختيار ، وعلى هذا التّقدير : يلزم كونه ـ تعالى ـ عاجزا عن تحصيل مراده ؛ لأن مراده الإيمان الاختياري ، وأنه لا يقدر ألبتّة على تحصيله ، فكان القول بالعجز لازما (٣).
الثالث : أن هذا الكلام موقوف على الفرق بين الإيمان الحاصل بالاختيار ، وبين الإيمان الحاصل بالإلجاء.
أمّا الإيمان الحاصل بالاختيار فإنه يمتنع حصوله إلا عند داعية جازمة ، وإرادة لازمة ، فإن الدّاعية التي يترتّب عليها حصول الفعل ؛ إمّا أن تكون بحيث يجب ترتّب الفعل عليها ، أو لا يجب ، فإن وجب ، فهي الدّاعية الضّروريّة ، وحينئذ لا يبقى بينها وبين الدّواعي الحاصلة بالإلجاء فرق ، وإن لم يجب ترتّب الفعل ، فحينئذ يمكن تخلّف الفعل عنها ، فلنفرض تارة ذلك الفعل متخلّفا عنها ، وتارة غير متخلّف ، فامتياز الوقتين عن الآخر لا بدّ وأن يكون لمرجّح زائد ، فالحاصل قبل ذلك ما كان تمام الدّاعية ، وقد فرضناه كذلك ، هذا خلف ، ثم عند انضمام هذا القيد الزّائد وجب الفعل ، لم يبق بينه وبين الضّرورة فرق ، فإن لم يجب ، افتقر إلى قيد زائد ، ولزم التّسلسل وهو محال ؛ فثبت
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٧.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٨.