شَيْئاً) ، يقال للرجل : تعال ، أي : تقدم ، ويقال للمرأة : تعالي ، ويقال للاثنتين والاثنين : تعاليا ، ولجماعة الرجال : تعالوا ، ولجماعة النساء : تعالين ؛ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) [الأحزاب : ٢٨].
وجعلوا التقدم ضربا من التعالي والارتفاع ؛ لأن المأمور بالتقدم في أصل وضع هذا الفعل ، كأنه كان قاعدا فقيل له تعال ، أي : ارفع شخصك بالقيام وتقدم ؛ ثم اتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي ؛ قاله الشجري (١).
قوله : (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) في [«ما»] هذه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنها موصولة بمعنى «الذي» والعائد محذوف ، أي : الذي حرمه ، والموصول في محل نصب مفعولا به.
الثاني : أن تكون مصدرية ، أي : أتل تحريم ربكم ، ونفس التحريم لا يتلى ، وإنما هو مصدر واقع موقع المفعول به ، أي : أتل محرم ربكم الذي حرمه هو.
والثالث : أنها استفهامية ، في محل نصب ب «حرم» بعدها ، وهي معلقة ل «أتل» والتقدير : أتل أي شيء حرم ربكم ، وهذا ضعيف ؛ لأنه لا تعلق إلا أفعال القلوب وما حمل عليها.
فصل
قال القرطبي (٢) : هذه الآية أمر من الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ عليهالسلام ـ بأن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله ـ تبارك وتعالى ـ ، وهكذا يجب على من بعده من العلماء أن يبلغوا الناس ، ويبينوا لهم ما حرم عليهم مما أحل ؛ قال ـ تعالى ـ : (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران: ١٨٧].
قال الربيع بن خيثم لجليس له : «أيسرك أن تقرأ في صحيفة من النبي صلىاللهعليهوسلم لم يفك كتابها؟ قال : نعم ، قال : فاقرؤا : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) إلى آخر الثّلاث آيات» (٣).
قال كعب الأحبار : وهذه السّورة مفتتح التّوراة : بسم الله الرّحمن الرّحيم : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الآية الكريمة (٤).
وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : هذه الآيات المحكمات التي ذكرها الله ـ تعالى ـ في سورة «آل عمران» أجمعت عليها شرائع الخلق ، ولم تنسخ قط في ملّة ، وقد قيل : إنّها العشر كلمات المنزّلة على موسى ـ عليه الصلاة والسلام (٥) ـ.
__________________
(١) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٦.
(٢) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٦.
(٣) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٦.
(٤) تقدم من أول السورة.
(٥) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٦.