الأول : أن المراد من التّحريم أن يجعل له حريما معينا ، وذلك بأن بيّنه بيانا مضبوطا معيّنا ؛ فقوله : (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) معناه : أتل عليكم ما بيّنه بيانا شافيا ؛ بحيث يجعل له حريما مضبوطا معيّنا ، وعلى هذا التّقدير السّؤال زائل.
الثاني : أن الكلام تمّ وانقطع عند قوله : (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) ثم ابتدأ فقال : (عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا).
فإن قيل : فقوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) معطوف على قوله (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [فوجب أن يكون قوله : (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) مفسّرا لقوله : (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) فلزم أن يكون الإحسان بالوالدين حراما ؛ وهو باطل.
قلنا : لما أوجب الإحسان إليهما ، فقدّم تحريم الإساءة إليهما ، والله ـ تعالى ـ أعلم.
ثم قال أبو حيّان : وأمّا عطف هذه الأوامر فيحتمل وجهين :
أحدهما : أنها معطوفة لا على المناهي قبلها ، فيلزم انسحاب التّحريم عليها ؛ حيث كانت في حيّز «أن» التّفسيريّة ، بل هي معطوفة على قوله : (تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أمرهم أوّلا بأمر يترتّب عليه ذكر مناه ، ثم أمرهم ثانيا بأوامر ؛ وهذا معنى واضح.
والثاني : أن تكون الأوامر معطوفة على المناهي ، وداخلة تحت «أن» التّفسيريّة ، ويصحّ ذلك على تقدير محذوف ، تكون «أن» مفسّرة له وللمنطوق قبله الذي دلّ على حذفه ، والتّقدير : وما أمركم به ، فحذف وما أمركم به لدلالة ما حرّم عليه ؛ لأن معنى ما حرّم ربكم : ما نهاكم ربّكم عنه ، فالمعنى : تعالوا أتل ما نهاكم ربّكم عنه وما أمركم به ، وإذا كان التّقدير هكذا ، صح أن تكون «أن» تفسيريّة لفعل النّهي ، الدّال عليه التّحريم وفعل الأمر المحذوف ، ألا ترى أنّه يجوز أن تقول : «أمرتك ألا تكرم جاهلا وأكرم عالما» إذ يجوز أن يعطف الأمر على النّهي والنّهي على الأمر ؛ كما قال : [الطويل]
٢٣٨٠ ـ .......... |
|
يقولون لا تهلك أسى وتجمّل (١) |
وهذا لا نعلم فيه خلافا ، بخلاف الجمل المتباينة بالخبر والاستفهام والإنشاء ؛ فإن في جواز العطف فيها خلافا انتهى.
الثاني : أن تكون «أن» ناصبة للفعل بعدها ، وهي وما في حيّزها في محلّ نصب بدلا من «ما حرّم».
__________________
(١) عجز بيت لا مرىء القيس وصدره :
وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم
ينظر : ديوانه ١٠ ، شرح القصائد للتبريزي (٥٥) ، مجاز القرآن ١ / ١٧١ ، الدر المصون ٣ / ٢١٤.